الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                القطب الثالث : المعقود به ، وهو الصداق .

                                                                                                                وفي التنبيهات : يقال بفتح الصاد وكسرها ، وأصدقه وصدقة ، وفي الجواهر : لا يجوز التراضي بإسقاطه لقوله تعالى : ( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم ) ( الأحزاب : 50 ) ، أي : من الصداق ، وقوله تعالى : ( وهبت نفسها ) يقضي اختصاص المرأة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - دون المؤمنين ، وقوله تعالى : ( خالصة ) لا بد فيه من زيادة فائدة ; لأن الأصل عدم التكرار ، وهي اختصاص الهبة به دون المؤمنين فلا يجوز لغيره فيتعين اشتراط الصداق ، ولا يلزم التصريح به .

                                                                                                                [ ص: 350 ] لقوله تعالى : ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ) ( البقرة : 236 ) فنص تعالى على شرعية الطلاق في صورة عدم الفرض ، ومشروعيته دليل صحة النكاح ، والواجب لا بد أن يقدر حتى يخرج المكلف عن عهدته ، قال اللخمي : وقدره : ربع دينار ، أو ثلاثة دراهم ، أو ما يساوي أحدهما ، وقيل : ما يساوي ثلاثة دراهم ، كقول ابن القاسم في السرقة ، وفي القبس : قال ابن وهب : أقله درهم ونحوه ; لطلبه - عليه السلام - خاتما من حديد ، وعند ( ح ) : عشرة دراهم ; لأنه نصاب السرقة عنده ، فإن تزوجها بخمسة وطلقها قبل البناء أخذتها ; لأن الصداق الواجب عنده لا يتشطر ، واحتج بقوله عليه السلام : ( لا صداق أقل من عشرة دراهم ) ، قال صاحب الاستذكار : ولم يثبته أحد من أهل العلم ، وعند ( ش ) : هو غير مقدر بل ما ينطلق عليه اسم مال ، وعند ابن حنبل : ما ينطلق على نصفه اسم مال ; ليبقى لها المسمى بعد التشطير لقوله تعالى : ( أن تبتغوا بأموالكم ) ( النساء : 24 ) فيقتصر على المسمى قياسا كسائر الصور التي أطلقت فيها النصوص ، وجوابهما أن هذه القاعدة صحيحة لكن السنة أبطلت الاقتصار على المسمى هاهنا ، وهي ما في ( الموطأ ) ( أنه - عليه السلام - جاءته امرأة فقالت : يا رسول الله ، قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا ، فقام رجل فقال : يا رسول الله ، زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة فقال عليه السلام : هل عندك من شيء تصدقها إياه ؟ فقال : ما عندي إلا إزاري هذا ، فقال [ ص: 351 ] عليه السلام : إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس شيئا ، فقال : لا أجد شيئا ، فقال : التمس ولو خاتما من حديد ، فالتمس فلم يجد شيئا ، فقال له عليه السلام : هل معك من القرآن شيء ؟ فقال : نعم ، سورة كذا ، وسورة كذا لسور سماها ، فقال عليه السلام : قد أنكحتكها بما معك من القرآن ) يدل من أربعة أوجه :

                                                                                                                أحدها : قوله : ما عندي إلا إزاري ، ومعلوم بالعادة أن الإنسان لا يعجز عن حجر أو حطب أو ما يساوي فلسا فدل ذلك على أن المراد ما له بال ، وإلا فالعادة تكذبه ، وكان - عليه السلام - يكذبه حينئذ .

                                                                                                                وثانيها : قوله ما أجد شيئا بعد قوله عليه السلام : التمس شيئا ، ومعلوم أنه لو التمس ما ذكرناه لوجده .

                                                                                                                وثالثها : قوله عليه السلام : التمس ولو خاتما من حديد ، في معرض المبالغة يقتضي أن ذلك أقل ما يجزئ ، ومعلوم أن الخاتم أعظم من أقل ما يتمول .

                                                                                                                ورابعها : قوله : فالتمس فلم يجد شيئا ، ومعلوم أنه يجد ما تقدم ذكره فدل ذلك على أن المراد بالآية ما له قدر من المال فيتعين ما ذكرناه ; لأنه عضو فيستباح بالمال فوجب أن يقدر ما ذكرناه كقطع اليد في السرقة ، وأما ( ح ) فوافقنا في المدرك غير أنه خالف في نصاب السرقة فنجيبه في بابه إن شاء الله .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : إذا تزوجها بغير صداق ، قال سحنون : يفسخ بعد الدخول ، قال أشهب : ولها بعد البناء والفسخ ثلاثة دراهم ، وقال ابن وهب : صداق المثل لبطلان ما حصل الرضا به ، وفي الكتاب : لا يفسخ بعد البناء ولها صداق المثل . [ ص: 352 ] فرع

                                                                                                                قال صاحب المقدمات : استحب العلماء عدم المغالاة في الصداق ; لأن صداق أزواجه - عليه السلام - كان خمسمائة درهم لغالبهن مع فرط شرفه وشرفهن .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا تزوج بدرهمين أو ما يساويهما فسخ ، إلا أن يدخل فيجبر على الإتمام ، ولا يفسخ للخلاف في هذا الصداق ، وقال غيره : يفسخ قبل البناء وبعده ، وإن أتم ، ولها صداق المثل بعد البناء كمن تزوج بغير صداق ، قال ابن القاسم : وإن طلق قبل البناء فلها درهم لقوله تعالى : ( فنصف ما فرضتم ) ( البقرة : 237 ) ، قال ابن يونس : قال ابن الكاتب إذا لم يتم فسخ بطلقة ، ولا شيء لها إلا نصف الدرهمين ، ولا غيره ; لأن التشطير فرع الصحة ، ونحن لا نصححه ، قال : والصواب : لها نصف الدرهمين ، والفسخ عندنا استحبابا .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية