الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فصل ) فيما يلزم المكري أو المكتري لعقار أو دابة

                                                                                                                              ( يجب ) يعني يتعين لدفع الخيار الآتي على المكري ( تسليم مفتاح ) ضبة ( الدار ) معها ( إلى المكتري ) لتوقف الانتفاع عليه وهو أمانة بيده فإذا تلف بتقصيره ضمنه أو عدمه فلا وفيهما يلزم المكري تجديده فإن أبى لم يجبر ولم يأثم لكن يتخير المكتري وكذا في جميع ما يأتي [ ص: 164 ] قال القاضي وتنفسخ في مدة المنع ا هـ وفيه نظر لأنه المقصر بعدم الفسخ مع ثبوت الخيار له نعم إن جهل الخيار وعذر فيه احتمل ما قاله وخرج بالضبة القفل فلا يجب تسليمه فضلا عن مفتاحه لأنه منقول وليس بتابع ( وعمارتها ) الشاملة لنحو تطيين سطح وإعادة رخام قلعه هو أو غيره كما هو ظاهر ولا نظر لكون الفائت به مجرد الزينة ؛ لأنها غرض مقصود ومن ثم امتنع ( على المؤجر ) قلعه ابتداء ودواما وإن احتاجت لآلات جديدة ( فإن بادر ) أي قبل مضي مدة لها أجرة كما هو ظاهر

                                                                                                                              ( وأصلحها ) أو سلم المفتاح فذاك ( وإلا ) يبادر ( فللمكتري ) قهرا ( على المؤجر الخيار ) إن نقصت المنفعة بين الفسخ والإبقاء لتضرره ومن ثم زال بزواله فإذا وكف السقف تخير حالة الوكف فقط ما لم يتولد منه نقص وبحث أبو زرعة سقوطه بالبلاط بدل الرخام لأن التفاوت بينهما ليس فيه كبير وقع ا هـ وفي إطلاقه ما فيه فالذي يتجه أنهما إن تفاوتا أجرة لها وقع تخير وإلا فلا وأنه لو شرط إبقاء الرخام فسخ بخلف الشرط هذا في حادث أما مقارن علم به المكتري فلا خيار وإن علم أنه من وظيفة المكري لتقصيره بإقدامه مع علمه به ومحل ما ذكر في المتصرف لنفسه وفي الطلق أما المتصرف [ ص: 165 ] عن غيره وفي الوقف فتجب العمارة لكن لا من حيث الإجارة ويلزم المؤجر أيضا انتزاع العين ممن غصبها ودفع نحو حريق ونهب عنها إن أراد دوام الإجارة وإلا تخير المستأجر ولو قدر عليه المستأجر من غير خطر لزمه كالوديع ويؤخذ منه أنه لو قصر ضمن وأنه لا يكلف النزع من الغاصب المتوقف على خصومة بل لا يجوز كالوديع ؛ لأنهما لا يخاصمان وإن سمعت الدعوى عليهما لكون العين في يدهما كما يأتي أوائل الدعاوى .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( فصل فيما يلزم المكري أو المكتري لعقار أو دابة )

                                                                                                                              ( قوله معها ) أي الدار ش [ ص: 164 ] قوله قال القاضي وتنفسخ في مدة المنع ) ما قاله القاضي ظاهر شرح م ر ويؤيده ويوافقه ما سيأتي في غصب نحو الدابة من ثبوت الخيار والانفساخ في كل مدة مضت في زمن الغصب ، وإن لم يفسخ ففي التنظير في كلام القاضي وتخصيص صحته بحالة الجهل المذكورة نظر ( قوله إن نقصت المنفعة إلخ ) كذا المتن شرح م ر ( قوله بين الفسخ إلخ ) معمول قول المتن الخيار وقوله ومن ثم زال أي الخيار وقوله بزواله أي التضرر ش ( قوله ما لم يتولد منه نقص ) وإلا فمطلقا ( فرع )

                                                                                                                              هل تصح إجارة دار لا باب لها فيه نظر وقد يتجه الصحة إن أمكن الانتفاع بها بلا باب كأن أمكن التسلق من الجدار وعلى الصحة فهل يثبت الخيار للجاهل كأن رآها قبل ثم سد بابها ثم [ ص: 165 ] استأجرها اعتمادا على الرؤية السابقة الوجه الثبوت فلتراجع المسألة ( قوله ويلزم المؤجر أيضا إلخ ) أي قبل التسليم لوجوب التسليم عليه م ر ( قوله انتزاع العين ممن غصبها إلخ ) كذا في الروض أوائل الباب الثاني وقيده بقدرة المالك على الانتزاع قال في شرحه كما بحثه أي لزوم الانتزاع في الروضة هنا واعترض بأن ما بحثه يخالف ما يأتي آخر الباب من أنه لا يلزمه أن يدفع عنها الحريق والنهب وغيرهما وأجيب بأن ما هناك فيما بعد التسليم أو فيما لا يقدر على انتزاعه إلا بكلفة وما هنا بخلافه فلزمه ذلك لكونه من تمام التسليم أو لعدم الكلفة هذا والأوجه عدم اللزوم وهو ما نقله الإمام عن الأكثرين ومقابله عن بعض المحققين ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ولو قدر عليه المستأجر ) أي إذا كان بعد التسليم م ر ( قوله وأنه لا يكلف النزع إلخ ) أي لأنه ليس له الخصومة ؛ لأنه غير مالك ولا وكيل المالك وهذا بالنسبة للعين أما بالنسبة للمنفعة فله المخاصمة م ر ( قوله المتوقف ) نعت للنزع ش .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( فصل ) فيما يلزم المكري أو المكتري ( قوله فيما يلزم ) إلى قوله وأنه لا يكلف النزع في النهاية إلا قوله وفيه نظر إلى وخرج وقوله وفي إطلاقه إلى وأنه لو شرط ( قوله فيما يلزم المكري إلخ ) أي وما يتبع ذلك من انفساخ الإجارة بتلف الدابة وغيره ا هـ ع ش ( قوله يعني ) إلى قوله انتهى في المغني ( قوله لدفع الخيار إلخ ) أي لا لدفع الإثم ا هـ ع ش ( قوله على المكري ) متعلق بيجب ( قوله ضبة الدار ) أي الغلق المثبت في بابها ( قوله معها ) أي الدار ( قوله لتوقف الانتفاع عليه ) ( فرع )

                                                                                                                              هل تصح إجارة دار لا باب لها فيه نظر وقد يتجه الصحة إن أمكن الانتفاع بها بلا باب كأن أمكن التسلق من الجدار وعلى الصحة فهل يثبت الخيار للجاهل كأن رآها قبل ثم سد بابها ثم استأجرها اعتمادا على الرؤية السابقة الوجه الثبوت فلتراجع المسألة سم على حج ا هـ ع ش ( قوله ضمنه ) أي بقيمته ( قوله وفيهما إلخ ) أي التلف بتقصير والتلف بدونه ( قوله فإن أبى إلخ ) أي من التجديد وقضية قوله أولا يعني يتعين لدفع الخيار أنه لا يجبر على تسليم المفتاح أيضا ولا يأثم بامتناعه وهو مشكل ، فإنه حيث صحت الإجارة يستحق المكتري المنفعة على المكري فعدم التسليم والتجديد امتناع من حق توجه عليه فعله فالقياس أنه يأثم بعدمه ويجبر على التسليم وقد تقدم أن البائع يجبر على تسليم المبيع حيث قبض الثمن أو كان مؤجلا ا هـ ع ش وهذا وجيه لا سيما في الابتداء لكن كلام شرحي الروض والبهجة أيضا كالصريح في عدم الإثم بعدم التسليم ابتداء ودواما وفي عدم الجبر عليه كذلك بل عبارة المنهج مع شرحه صريح في ذلك وهي فصل فيما يجب بالمعنى الآتي على المكري عليه تسليم مفتاح دار معها لمكتر وعمارتها وكنس ثلج بسطحها سواء في وجوب [ ص: 164 ] تسليم المفتاح الابتداء والدوام وليس المراد بكون ما ذكر واجبا على المكري أنه يأثم بتركه أو أنه يجبر عليه بل أنه إن تركه ثبت للمكتري الخيار ا هـ اختصارا وفي المغني نحوها

                                                                                                                              وعلم بذلك أن قول الشارح فإن أبى إلخ معناه فإن أبى المؤجر من التسليم ابتداء والتجديد بعد التلف لم يجبر إلخ ( قوله قال القاضي إلخ ) اعتمده المغني ، وكذا النهاية قال الرشيدي قول م ر وقول القاضي بانفساخها في مدة المنع ظاهر إلخ لعل صورة المسألة أنه غير منتفع بالدار في تلك المدة كما هو ظاهر فليراجع واعلم أنه رجع إليه الشارح م ر بعد أن كان تبع ابن حج في التنظير في كلام القاضي ا هـ زاد ع ش ووجهه أي الانفساخ أنه بامتناع المؤجر من تسليم المفتاح فات جزء من المنفعة المعقود عليها كتلف بعض المبيع تحت يد البائع ، وذلك يقتضي ثبوت الخيار للمكتري لتفريق الصفقة عليه وفي سم على حج ما يصرح بذلك حيث قال ما نصه قوله قال القاضي وينفسخ في مدة المنع ما قاله القاضي ظاهر شرح م ر ويؤيده ويوافقه ما سيأتي في غصب نحو الدابة من ثبوت الخيار والانفساخ في كل مدة مضت في زمن الغصب وإن لم ينفسخ ففي التنظير في كلام القاضي وتخصيص صحته بحالة الجهل المذكورة نظر ا هـ

                                                                                                                              ( قوله فلا يجب تسليمه إلخ ) وإن اعتيد ولا يثبت له بمنعه خيار روض ومغني ( قوله قلعه هو ) أي المؤجر أو غيره ولو المكتري وضمانه لما قلعه لا يسقط خياره حيث لم يعده المكري و ( قوله به ) أي قلع الرخام و ( قوله لأنها ) أي الزينة ا هـ ع ش قول المتن ( على المؤجر ) لفظ على المؤجر وقع في نسخ المحلي والمغني والنهاية عقب قوله وعمارتها لا هنا بعكس ما في التحفة ا هـ بصري أقول صنيع التحفة لاتصال الشاملة إلخ بمنعوته وكون قوله وإن احتاجت إلخ غاية في المتن عليه أحسن من صنيعهم إلا أنه كان المناسب أن يؤخره عن قوله قلعه ابتداء ودواما ( قوله وإن احتاجت إلخ ) غاية في المتن ا هـ رشيدي ( قوله إن نقصت المنفعة ) إلى قوله وبحث في المغني

                                                                                                                              ( قوله بين الفسخ إلخ ) متعلق بالخيار ( قوله زال ) أي الخيار و ( قوله بزواله ) أي التضرر و ( قوله فإذا وكف إلخ ) أي نزل المطر منه ا هـ ع ش عبارة المغني فإذا وكف البيت أي قطر سقفه في المطر لترك التطيين ثبت له الخيار في تلك الحالة وإذا انقطع زال الخيار إلا إذا حصل بسببه نقص ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ما لم يتولد منه نقص ) يؤخذ مما سيأتي في مسألة الدابة أنه لو كان الوكف لخلل في السقف لم يعلم به قبل أنه يستحق أرش النقص لما مضى سواء فسخ الإجارة أم لا ا هـ ع ش ( قوله نقص ) أي في نحو المنفعة فيما يظهر لا في العين حيث لا تنقص المنفعة ا هـ سيد عمر والمراد بالمنفعة ما يشمل الزينة أخذا مما مر في الرخام ( قوله وبحث أبو زرعة سقوطه ) أي الخيار و المعتمد عدم السقوط لما تقدم من أن الزينة به مقصودة وقد فاتت ا هـ ع ش عبارة الرشيدي الظاهر أن الشارح م ر لا يرتضي بهذا أخذا من إطلاقه فيما مر امتناع قلعه وبقرينة التعليل المار مع إسناد هذا لقائله بحثا المشعر بعدم تسليمه فليراجع ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وأنه لو شرط إلخ ) عطف على قوله أنهما إن إلخ

                                                                                                                              ( قوله هذا في حادث ) أي قول المتن وإلا فللمكتري الخيار في خلل حدث بعد العقد ( قوله أما مقارن ) أي خلل مقارن للعقد ( قوله وإن علم أنه ) أي الإصلاح ( قوله ومحل ما ذكر ) أي عدم الإثم في ترك العمارة أي ومثله ترك تسليم المفتاح ابتداء أو دواما عبارة المغني .

                                                                                                                              ( تنبيه )

                                                                                                                              محل عدم وجوب العمارة في الطلق أما الوقف فيجب على الناظر عمارته حيث كان فيه ريع كما أوضحوه في كتاب الوقف وفي معناه المتصرف بالاحتياط كولي المحجور عليه بحيث لو لم يعمر فسخ المستأجر الإجارة وتضرر المحجور عليه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وفي الطلق ) عطف على لنفسه والطلق [ ص: 165 ] بكسر فسكون الحلال والمراد به هنا المملوك ا هـ ع ش ( قوله وفي الوقف ) عطف على عن غيره ( قوله لكن لا من حيث الإجارة ) أي بل من حيث رعاية المصلحة للوقف والمولى عليه ا هـ ع ش ( قوله ويلزم المؤجر إلخ ) حيث قدر على تسليمها ابتداء أو دواما ا هـ نهاية عبارة المغني ولا يلزم المؤجر أن يدفع عن العين المؤجرة الحريق والنهب وغيرهما وإنما عليه تسلم العين ورد الأجرة إن تعذر الاستيفاء وإذا سقطت الدار على متاع المستأجر لم يلزم المؤجر ضمانه ولا أجرة تخليصه كما أفتى به الغزالي ، ولو غصبت العين المؤجرة وقدر المالك على انتزاعها لزمه كما بحثه في الروضة هنا ولكن اعترض بأن ما بحثه هنا بخلاف ما قاله آخر الباب من أنه لا يلزمه أن يدفع عنها الحريق والنهب وغيرهما كما مر

                                                                                                                              وأجيب بأن ما هناك فيما بعد التسليم أو فيما لا يقدر على انتزاعه إلا بكلفة ، وما هنا بخلافه فلزمه ذلك لكونه من تمام التسليم أو لعدم الكلفة وهذا هو المعتمد وإن قال بعض المتأخرين الأوجه عدم اللزوم في الحالتين ا هـ ويعني بالبعض شيخ الإسلام في شرحي الروضة والبهجة ويوافقهما إطلاق الشارح والنهاية ( قوله ولو قدر إلخ ) أي إذا كان بعد التسليم م ر ا هـ سم ( قوله عليه ) أي على دفع نحو الحريق ا هـ رشيدي ( قوله ضمن ) أي العين بقيمتها وقت الغصب ويكون للحيلولة حتى لو زالت يد الغاصب عنها ورجعت للمالك استردها المستأجر منه ا هـ ع ش ( قوله وأنه لا يكلف النزع إلخ ) أي لأنه ليس له الخصومة ؛ لأنه غير مالك ولا وكيل المالك وهذا بالنسبة للعين أما بالنسبة للمنفعة فله المخاصمة م ر ا هـ سم ( قوله المتوقف إلخ ) نعت للنزع عبارة النهاية وإن سهل عليه كالمودع كما هو مصرح به في كلامهم ا هـ قالع ش قوله وإن سهل إلخ يتأمل هذا مع قوله أولا فإن قدر عليه المستأجر من غير خطر لزمه اللهم إلا أن يقال إن عدم اللزوم إذا غرم القيمة للحيلولة واللزوم قبل غرمها فلا تنافي ا هـ أقول الذي يفيده صنيع الشارح أن لزوم النزع إنما هو إذا سلم من الخطر ولم يتوقف على الرفع إلى القاضي وعدمه فيما إذا وجد أحدهما .




                                                                                                                              الخدمات العلمية