الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      العمل الخيري في ضوء الحديث النبوي

      الدكتور / الداي ولد محمد ولد إيوه

      الـفصـل الأول

      مرجعيات العمل التطوعي في سياق النص النبوي

      يأتي العمل الخيري في القرآن الكريم، كما في السنة بصيغ شتى، بعضها أمر به، أو ترغيب فيه عن ضـده، وبعضها مدح لفاعلي الخير، وبعضها ذم لمـن لا يفـعل فعلهم، بعضها يثني على فعل الخير، وبعضها يـثـنـي على الدعـوة إليه، أو التعاون عليه.. والخير يذكر في القرآن وفي السنة النبوية بلفظ (الخير) نفسه، وقد تستخدم ألفاظ أخرى تفيد مضمونه مثل: البر، والإحسان، والرحمـة، والصـدقـة، وتفريـج الـكربـة، وإغـاثـة الملـهـوف، وقد قال تعالى: ( لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ) (النساء:114).

      وهنا نبين بعض المعاني، التي تدل على مشروعية العمل الخيري في القرآن الكريم والسنة النبوية:

      1- فعل الخير: قال الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) (الحج:77).

      2- قول الخير: قال تعالى: ( وقولوا للناس حسنا ) (البقرة:83). [ ص: 17 ]

      3- المسارعة إلى الخير: قال سبحانه وتعالى: ( يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات ) (آل عمران:114).

      4- التسابق إلى الخير: قال تعالى: ( فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم ) (المائدة:48).

      5- الدعوة إلى الخير: قال تعالى: ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ) (آل عمران:104).

      6- الحض على فعل الخير: ومن أعظم دلائل الخير إطعام المسكين، قال تعالى: ( أرأيت الذي يكذب بالدين * فذلك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام المسكين ) (الماعون:1-3).

      7- فعل الخير وإن صغر: قال تعالى: ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) (الزلزلة:7).

      8- التعاون على عمل الخير: ومن أصول الخير في الإسلام وجوب التعاون عليه، قال تعالى: ( وتعاونوا على البر والتقوى ) (المائدة:2).

      ويستند العمل الخيري التطوعي إلى أصول أربعة، يستمد منها مشروعيته، ويظهر فيها تطبيقه العملي:

      - العمل الخيري ركن ديني، فالزكاة ركن من أركان الإسلام.

      - العمل الخيري هدي نبوي ومحبة قلبية.

      - العمل الخيري عمل تشريعي إسلامي.

      - العمل الخيري عمل إنساني. [ ص: 18 ]

      فكل هذه المعاني وغيرها تتجلى في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فقد أحب الإنفاق، وأنفق، وحث أصحابه على الإنفاق في سبيل الله.

      والمتصفح لكتب الحديث يجد الكثير من الأحاديث الواردة في هذا الباب بصفة عامة، وهذه الدراسة تتناول العمل الخيري في ضوء الحديث النبوي من خلال الكتب الستة، وخلال تصفحي لهذه الكتب وجدت الكثير من الأحاديث، التي هي تراث ضخم وكنز عظيم للبشرية جمعاء، وليس للمسلمين فحسب، (وهي مدرجة في فصول ومباحث هذا الكتاب) والتي تتناول في كثير منها الحض على الإنفاق، والترغيب فيه، ومواطن الإنفاق، والحالات النفسية، التي يجب أن يتحلى بها المنفق، كالإخلاص والبعد عن الرياء.

      وقد تكرر الأمر بالإنفاق في القرآن الكريم والسنة النبوية مع الترغيب والتأكيد عليه، وخاصة على الأقارب والأرحام والجيران والأصحاب، كقوله تعالى: ( وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل ) (النساء:36).

      وقوله تعالى: ( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل ) (البقرة:215.

      في هذه الآية ربط بين طوائف من الناس، بعضهم تربطه بالمنفق رابطة الرحم، وبعضهم رابطة الإنسانية الكبرى، في إطار العقيدة، وكلهم يتضامنون في رباط التكافل الاجتماعي الوثيق بين بني الإنسان.. وهذا الترتيب في الآية [ ص: 19 ] تزيده بعض الأحاديث النبوية تحديدا ووضوحا، كالذي جاء في صحيح مسلم عن جابر، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: ( ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا ) [1] .

      ولقد علم الله أن الإنسان يحب ذاته، فأمره أولا بكفايتها قبل أن يأمره بالإنفاق على من سواها، فالصدقة لا تأتي إلا بعد الكفاية، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول ) [2] .

      كل هذا الترغيب والحث على الإنفاق كان لإيجاد الجو المناسب، والمساعد للسمو بالنفس الإنسانية نحو المثل العليا، ولتحقيق رسالة استخلاف الله للإنسان في الأرض وحـمل الأمـانـة، التي حمـلـه إياهـا، ولا يـكون ذلك إلا بتأمين متطلبات احتياجات الفقراء والمساكين، وتحقيق مصالحهم، وتنظيم العلاقات الاجتماعية على أسس العدل والتكافل والتعاون، بدافع التقوى والتقرب إلى الله عز وجل والرغبة في مرضاته وثوابه والخشية من غضبه وعقابه.

      وسنبين القيم، التي يؤسس عليها العمل الخيري، من خلال شرح مفاهيم أربعة نفرد لكل منها مبحثا تحليليا. [ ص: 20 ]

      التالي السابق


      الخدمات العلمية