الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6392 ) فصل : والرابع المبيت في غير منزلها . وممن أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزلها ، عمر ، وعثمان رضي الله عنهما وروي ذلك عن ابن عمر ، وابن مسعود ، وأم سلمة ، وبه يقول مالك ، والثوري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وإسحاق وقال ابن عبد البر : وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار ، بالحجاز ، والشام ، والعراق ، ومصر وقال جابر بن زيد ، والحسن ، وعطاء تعتد حيث شاءت .

                                                                                                                                            وروي ذلك عن علي ، وابن عباس ، وجابر ، وعائشة رضي الله عنهم قال ابن عباس : نسخت هذه الآية عدتها عند أهله ، وسكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت ; لقول الله تعالى : { فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن } . قال عطاء : ثم جاء الميراث ، فنسخ السكنى ، تعتد حيث شاءت . رواهما أبو داود . ولنا ، ما روت فريعة بنت مالك بن سنان ، أخت أبي سعيد الخدري ، { أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن زوجها خرج في طلب أعبد له ، فقتلوه بطرف القدوم ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي ، فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ، ولا نفقة . قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم . قالت : فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد ، دعاني ، أو أمر بي فدعيت له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف قلت فرددت عليه القصة ، فقال : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله . فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا ، فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي ، فسألني عن ذلك ، فأخبرته فاتبعه ، وقضى به } . رواه مالك ، في موطئه ، والأثرم ، وهو حديث صحيح ، قضى به عثمان في جماعة الصحابة فلم ينكروه .

                                                                                                                                            إذا ثبت هذا ، فإنه يجب الاعتداد في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنة به ، سواء كان مملوكا لزوجها ، أو بإجارة ، أو عارية ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم { قال لفريعة : امكثي في بيتك } . ولم تكن في بيت يملكه زوجها . وفي بعض ألفاظه : { اعتدي في البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك } وفي لفظ : { اعتدي حيث أتاك الخبر } فإن أتاها الخبر في غير مسكنها ، رجعت إلى مسكنها فاعتدت فيه .

                                                                                                                                            وقال سعيد بن المسيب ، والنخعي : لا تبرح من مكانها الذي أتاها فيه نعي زوجها ، اتباعا للفظ الخبر الذي رويناه . ولنا قوله عليه السلام { : امكثي في بيتك } واللفظ الآخر قضية في عين ، والمراد به هذا ، فإن قضايا الأعيان [ ص: 128 ] لا عموم لها ، ثم لا يمكن حمله على العموم ; فإنه لا يلزمها الاعتداد في السوق والطريق والبرية ، إذا أتاها الخبر وهي فيها . ( 6393 )

                                                                                                                                            فصل : فإن خافت هدما أو غرقا أو عدوا أو نحو ذلك ، أو حولها صاحب المنزل لكونه عارية رجع فيها ، أو بإجارة انقضت مدتها ، أو منعها السكنى تعديا ، أو امتنع من إجارته ، أو طلب به أكثر من أجرة المثل ، أو لم تجد ما تكتري به ، أو لم تجد إلا من مالها ، فلها أن تنتقل ; لأنها حال عذر ، ولا يلزمها بذلك أجر المسكن ، وإنما الواجب عليها فعل السكنى ، لا تحصيل المسكن ، وإذا تعذرت السكنى ، سقطت ، ولها أن تسكن حيث شاءت . ذكره القاضي وذكر أبو الخطاب ، أنها تنتقل إلى أقرب ما يمكنها النقلة إليه . وهو مذهب الشافعي ; لأنه أقرب إلى موضع الوجود ، فأشبه من وجبت عليه الزكاة في موضع لا يجد فيه أهل السهمان ، فإنه ينقلها إلى أقرب موضع يجدهم فيه .

                                                                                                                                            ولنا ، أن الواجب سقط لعذر ، ولم يرد الشرع له ببدل ، فلا يجب ، كما لو سقط الحج للعجز عنه وفوات شرط ، والمعتكف إذا لم يقدر على الاعتكاف في المسجد ; ولأن ما ذكروه إثبات حكم بلا نص ، ولا معنى نص ، فإن معنى الاعتداد في بيتها لا يوجد في السكنى فيما قرب منه ، ويفارق أهل السهمان ; فإن القصد نفع الأقرب ، وفي نقلها إلى أقرب موضع يجده نفع الأقرب ، فوجب لذلك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية