الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في سورة الإخلاص

                                                                                                          2896 حدثنا قتيبة ومحمد بن بشار قالا حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا زائدة عن منصور عن هلال بن يساف عن ربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن امرأة أبي أيوب عن أبي أيوب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن من قرأ الله الواحد الصمد فقد قرأ ثلث القرآن وفي الباب عن أبي الدرداء وأبي سعيد وقتادة بن النعمان وأبي هريرة وأنس وابن عمر وأبي مسعود قال أبو عيسى هذا حديث حسن ولا نعرف أحدا روى هذا الحديث أحسن من رواية زائدة وتابعه على روايته إسرائيل والفضيل بن عياض وقد روى شعبة وغير واحد من الثقات هذا الحديث عن منصور واضطربوا فيه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( أخبرنا زائدة ) هو ابن قدامة ( عن منصور ) هو ابن المعتمر ( عن عمرو بن ميمون ) هو الأودي ( عن امرأة أبي أيوب ) هي أم أيوب الأنصارية صحابية ( عن أبي أيوب ) الأنصاري اسمه خالد بن زيد .

                                                                                                          قوله : ( أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن ) وكذا رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري وزاد : فشق ذلك عليهم فسألوا أينا يطيق ذلك يا رسول الله ( من قرأ الله الواحد الصمد ) وفي بعض النسخ : من قرأ قل هو الله أحد الله الصمد . وقد وقع في حديث أبي سعيد الخدري المذكور فقال ( الله الواحد الصمد ثلث القرآن ) قال الحافظ في الفتح عند الإسماعيلي من رواية أبي [ ص: 167 ] خالد الأحمر عن الأعمش فقال يقرأ " ( قل هو الله أحد فهي ثلث القرآن " فكأن رواية الباب بالمعنى ، ويحتمل أن يكون سمى السورة بهذا الاسم لاشتمالها على الصفتين المذكورتين أو يكون بعض رواته كان يقرؤها كذلك . فقد جاء عن عمر أنه كان يقرأ الله أحد الله الصمد بغير " قل " في أولها ( فقد قرأ ثلث القرآن ) كذا في رواية أبي أيوب : ( فقد قرأ ثلث القرآن ) وفي حديث أبي سعيد المذكور فقال ( الله الواحد الصمد ثلث القرآن ) كما عرفت . قال الحافظ : حمله بعض العلماء على ظاهره فقال هي ثلث باعتبار معاني القرآن لأنه أحكام وأخبار وتوحيد . وقد اشتملت هي على القسم الثالث فكانت ثلثا بهذا الاعتبار ، ويستأنس لهذا بما أخرجه أبو عبيدة من حديث أبي الدرداء قال : جزأ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل قل هو الله أحد جزءا من أجزاء القرآن . وقال القرطبي : اشتملت هذه السورة على اسمين من أسماء الله تعالى يتضمنان جميع أوصاف الكمال لم يوجدا في غيرها من السور وهما الأحد الصمد لأنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال وبيان ذلك أن الأحد يشعر بوجوده الخاص الذي لا يشاركه فيه غيره ، والصمد يشعر بجميع أوصاف الكمال لأنه الذي انتهى إليه سؤدده فكان مرجع الطلب منه وإليه ، ولا يتم ذلك على وجه التحقيق إلا لمن حاز جميع خصال الكمال وذلك لا يصلح إلا لله تعالى ، فلما اشتملت هذه السورة على معرفة الذات المقدسة كانت بالنسبة إلى تمام المعرفة بصفات الذات وصفات الفعل ثلثا . انتهى . ومنهم من حمل المثلية على تحصيل الثواب فقال معنى كونها ثلث القرآن أن ثواب قراءتها يحصل للقارئ مثل ثواب من قرأ ثلث القرآن وقيل مثله بغير تضعيف . وهي دعوى بغير دليل ويؤيد الإطلاق ما أخرجه مسلم من حديث أبي الدرداء فذكر نحو حديث أبي سعيد الأخير وقال فيه : " قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن " . ولمسلم أيضا من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن فخرج فقرأ قل هو الله أحد . ثم قال ألا إنها تعدل ثلث القرآن " . ولأبي عبيد من حديث أبي بن كعب : من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن . وإذا حمل ذلك على ظاهره فهل ذلك لثلث من القرآن معين أو لأي ثلث فرض منه؟ فيه نظر ، ويلزم على الثاني أن من قرأها ثلاثا كان كمن قرأ ختمة كاملة ، وقيل المراد من عمل بما تضمنته من الإخلاص والتوحيد كان كمن قرأ ثلث القرآن . وادعى بعضهم أن قوله تعدل ثلث القرآن يختص بصاحب الواقعة لأنه لما رددها في ليلته كان كمن قرأ ثلث القرآن بغير ترديد قال القابسي : ولعل الرجل الذي جرى له ذلك لم يكن يحفظ غيرها فلذلك استقل عمله فقال له الشارع ذلك ترغيبا له في عمل الخير وإن قل . وقال ابن عبد البر : من لم يتأول هذا الحديث أخلص ممن أجاب فيه بالرأي .

                                                                                                          [ ص: 168 ] قلت : حديث أبي أيوب المذكور بلفظ : من قرأ قل هو الله أحد فقد قرأ ثلث القرآن صريح في أن قراءة سورة قل هو الله أحد تعدل قراءة ثلث القرآن ، وكذا حديث أبي الدرداء الذي أشار إليه الترمذي وحديث أبي هريرة الآتي في هذا الباب يدلان على ذلك ، وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن " يحمل على أن قراءتها تعدل قراءة ثلث القرآن ويحصل لقارئها ثواب قراءة ثلث القرآن ، فالروايات بعضها يفسر بعضا ، هذا ما عندي والله تعالى أعلم .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي الدرداء وأبي سعيد إلخ ) أما حديث أبي الدرداء فأخرجه مسلم بلفظ : أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن ؟ قالوا وكيف يقرأ ثلث القرآن ؟ قال : قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن . وأما حديث أبي سعيد وحديث قتادة بن النعمان فأخرجهما البخاري ، وأما حديث أبي هريرة وحديث أنس فأخرجهما الترمذي في هذا الباب ، وأما حديث ابن عمر فأخرجه أبو الشيخ عنه مرفوعا : من قرأ قل هو الله أحد عشية عرفة ألف مرة أعطاه الله ما سأل . وأما حديث أبي مسعود فأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن ) وأخرجه أحمد والنسائي وذكره المنذري في ترغيبه ونقل تحسين الترمذي وأقره .




                                                                                                          الخدمات العلمية