الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا .

تعجيب من حال اليهود إذ يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا ونحو ذلك من إدلالهم الكاذب .

وقوله : بل الله يزكي من يشاء إبطال لمعتقدهم بإثبات ضده ، وهو أن التزكية شهادة من الله ، ولا ينفع أحدا أن يزكي نفسه . وفي تصدير الجملة بـ ( بل ) تصريح بإبطال تزكيتهم . وأن الذين زكوا أنفسهم لا حظ لهم في تزكية الله ، وأنهم ليسوا ممن يشاء الله تزكيته ، ولو لم يذكر ( بل ) فقيل : والله يزكي من يشاء . لكان لهم مطمع أن يكونوا ممن زكاه الله تعالى .

ومعنى ولا يظلمون فتيلا أي أن الله لم يحرمهم ما هم به أحرياء ، وأن تزكية الله غيرهم لا تعد ظلما لهم لأن الله يقول الحق وهو يهدي السبيل ولا يظلم أحدا .

والفتيل : شبه خيط في شق نواة التمرة ، وقد شاع استعارته للقلة إذ هو لا ينتفع به ولا له مرأى واضح .

[ ص: 85 ] وانتصب " فتيلا " على النيابة عن المفعول المطلق ، لأنه على معنى التشبيه ، إذ التقدير : " ظلما " كالفتيل ، أي بقدره ، فحذفت أداة التشبيه ، وهو كقوله : إن الله لا يظلم مثقال ذرة .

وقوله : انظر كيف يفترون على الله الكذب جعل افتراءهم الكذب ، لشدة تحقق وقوعه ، كأنه أمر مرئي ينظره الناس بأعينهم ، وإنما هو مما يسمع ويعقل ، وكلمة وكفى به إثما مبينا نهاية في بلوغه غاية الإثم كما يؤذن به تركيب : كفى به كذا ، وقد تقدم القول في ( كفى ) عند قوله آنفا وكفى بالله شهيدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية