الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عفا ]

                                                          عفا : في أسماء الله تعالى : العفو ، وهو فعول من العفو ، وهو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه ، وأصله المحو والطمس ، وهو من أبنية المبالغة . يقال : عفا يعفو عفوا ، فهو عاف وعفو ، قال الليث : العفو عفو الله - عز وجل - عن خلقه ، والله تعالى العفو الغفور . وكل من استحق عقوبة فتركتها فقد عفوت عنه . قال ابن الأنباري في قوله تعالى : عفا الله عنك لم أذنت لهم محا الله عنك ، مأخوذ من قولهم عفت الرياح الآثار إذا درستها ومحتها ، وقد عفت الآثار تعفو عفوا ، لفظ اللازم والمتعدي سواء . قال الأزهري : قرأت بخط شمر لأبي زيد عفا الله تعالى عن العبد عفوا ، وعفت الريح الأثر عفاء فعفا الأثر عفوا . وفي حديث أبي بكر - رضي الله عنه : سلوا الله العفو والعافية والمعافاة ، فأما العفو فهو ما وصفناه من محو الله تعالى ذنوب عبده عنه ، وأما العافية فهو أن يعافيه الله تعالى من سقم أو بلية وهي الصحة ضد المرض . يقال : عافاه الله وأعفاه أي : وهب له العافية من العلل والبلايا . وأما المعافاة فأن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك أي : يغنيك عنهم ويغنيهم عنك ويصرف أذاهم عنك وأذاك عنهم ، وقيل : هي مفاعلة من العفو ، وهو أن يعفو عن الناس ويعفوا هم عنه . وقال الليث : العافية دفاع الله تعالى عن العبد . يقال : عافاه [ ص: 211 ] الله عافية ، وهو اسم يوضع موضع المصدر الحقيقي ، وهو المعافاة ، وقد جاءت مصادر كثيرة على فاعلة ، تقول سمعت راغية الإبل وثاغية الشاء أي : سمعت رغاءها وثغاءها . قال ابن سيده : وأعفاه الله وعافاه معافاة وعافية مصدر ، كالعاقبة والخاتمة ، أصحه وأبرأه . وعفا عن ذنبه عفوا : صفح ، وعفا الله عنه وأعفاه . وقوله تعالى : فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان قال الأزهري : وهذه آية مشكلة ، وقد فسرها ابن عباس ثم من بعده تفسيرا قربوه على قدر أفهام أهل عصرهم ، فرأيت أن أذكر قول ابن عباس وأؤيده بما يزيده بيانا ووضوحا ، روى مجاهد قال : سمعت ابن عباس يقول : كان القصاص في بني إسرائيل ولم تكن فيهم الدية ، فقال الله عز وجل لهذه الأمة : كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان فالعفو : أن تقبل الدية في العمد ، ذلك تخفيف من ربكم مما كتب على من كان قبلكم ، يطلب هذا بإحسان ويؤدي هذا بإحسان . قال الأزهري : فقول ابن عباس : العفو أن تقبل الدية في العمد ، الأصل فيه أن العفو في موضوع اللغة الفضل ، يقال : عفا فلان لفلان بماله إذا أفضل له ، وعفا له عما له عليه إذا تركه ، وليس العفو في قوله : فمن عفي له من أخيه عفوا من ولي الدم ، ولكنه عفو من الله عز وجل ، وذلك أن سائر الأمم قبل هذه الأمة لم يكن لهم أخذ الدية إذا قتل قتيل ، فجعله الله لهذه الأمة عفوا منه وفضلا مع اختيار ولي الدم ذلك في العمد ، وهو قوله عز وجل : فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف أي : من عفا الله جل اسمه بالدية حين أباح له أخذها ، بعدما كانت محظورة على سائر الأمم مع اختياره إياها على الدم ، فعليه اتباع بالمعروف أي : مطالبة للدية بمعروف ، وعلى القاتل أداء الدية إليه بإحسان ، ثم بين ذلك فقال : ذلك تخفيف من ربكم لكم يا أمة محمد ، وفضل جعله الله لأولياء الدم منكم ، ورحمة خصكم بها فمن اعتدى أي : فمن سفك دم قاتل وليه بعد قبوله الدية فله عذاب أليم والمعنى الواضح في قوله عز وجل : فمن عفي له من أخيه شيء أي : من أحل له أخذ الدية بدل أخيه المقتول عفوا من الله وفضلا مع اختياره ، فليطالب بالمعروف ، ومن في قوله : من أخيه معناها البدل ، والعرب تقول عرضت له من حقه ثوبا أي : أعطيته بدل حقه ثوبا ; ومنه قول الله عز وجل : ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون يقول : لو نشاء لجعلنا بدلكم ملائكة في الأرض ، والله أعلم . قال الأزهري : وما علمت أحدا أوضح من معنى هذه الآية ما أوضحته . وقال ابن سيده : كان الناس من سائر الأمم يقتلون الواحد بالواحد ، فجعل الله لنا نحن العفو عمن قتل إن شئناه ، فعفي على هذا متعد ، ألا تراه متعديا هنا إلى شيء ؟ وقوله تعالى : إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح معناه إلا أن يعفو النساء أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ، وهو الزوج أو الولي إذا كان أبا ، ومعنى عفو المرأة أن تعفو عن النصف الواجب لها فتتركه للزوج ، أو يعفو الزوج بالنصف فيعطيها الكل ; قال الأزهري : وأما قول الله - عز وجل - في آية ما يجب للمرأة من نصف الصداق إذا طلقت قبل الدخول بها فقال : إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح فإن العفو هاهنا معناه الإفضال بإعطاء ما لا يجب عليه ، أو ترك المرأة ما يجب لها ; يقال : عفوت لفلان بمالي إذا أفضلت له فأعطيته ، وعفوت له عما لي عليه إذا تركته له ; وقوله : إلا أن يعفون فعل لجماعة النساء يطلقهن أزواجهن قبل أن يمسوهن مع تسمية الأزواج لهن مهورهن ، فيعفون لأزواجهن بما وجب لهن من نصف المهر ويتركنه لهم ، أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ، وهو الزوج ، بأن يتمم لها المهر كله ، وإنما وجب لها نصفه ، وكل واحد من الزوجين عاف أي : مفضل ، أما إفضال المرأة فأن تترك للزوج المطلق ما وجب لها عليه من نصف المهر ، وأما إفضاله فأن يتم لها المهر كاملا ، لأن الواجب عليه نصفه فيفضل متبرعا بالكل ، والنون من قوله : يعفون نون فعل جماعة النساء في يفعلن ، ولو كان للرجال لوجب أن يقال إلا أن يعفوا ، لأن " أن " تنصب المستقبل وتحذف النون ، وإذا لم يكن مع فعل الرجال ما ينصب أو يجزم قيل هم يعفون ، وكان في الأصل يعفوون ، فحذفت إحدى الواوين استثقالا للجمع بينهما ، فقيل يعفون ، وأما فعل النساء فقيل لهن يعفون لأنه على تقدير يفعلن . ورجل عفو عن الذنب : عاف . وأعفاه من الأمر : برأه . واستعفاه : طلب ذلك منه . والاستعفاء : أن تطلب إلى من يكلفك أمرا أن يعفيك منه . يقال : أعفني من الخروج معك أي : دعني منه . واستعفاه من الخروج معه أي : سأله الإعفاء منه . وعفت الإبل المرعى : تناولته قريبا . وعفاه يعفوه : أتاه ، وقيل : أتاه يطلب معروفه ، والعفو المعروف ، والعفو الفضل . وعفوت الرجل إذا طلبت فضله . والعافية والعفاة والعفى : الأضياف وطلاب المعروف ، وقيل : هم الذين يعفونك أي : يأتونك يطلبون ما عندك . وعافية الماء : واردته ، واحدهم عاف . وفلان تعفوه الأضياف وتعتفيه الأضياف وهو كثير العفاة وكثير العافية وكثير العفى . والعافي : الرائد والوارد لأن ذلك كله طلب ; قال الجذامي يصف ماء :


                                                          ذا عرمض تخضر كف عافيه

                                                          أي : وارده أو مستقيه . والعافية : طلاب الرزق من الإنس والدواب والطير ; أنشد ثعلب :


                                                          لعز علينا ونعم الفتى     مصيرك يا عمرو والعافيه

                                                          يعني أن قتلت فصرت أكلة للطير والضباع وهذا كله طلب . وفي الحديث : من أحيا أرضا ميتة فهي له ، وما أكلت العافية منها فهو له صدقة ، وفي رواية : العوافي . وفي الحديث في ذكر المدينة : يتركها أهلها على أحسن ما كانت مذللة للعوافي ; قال أبو عبيد : الواحد من العافية عاف ، وهو كل من جاءك يطلب فضلا أو رزقا فهو عاف ومعتف ، وقد عفاك يعفوك ، وجمعه عفاة ; وأنشد قول الأعشى :


                                                          تطوف العفاة بأبوابه‌‌     كطوف النصارى ببيت الوثن

                                                          قال : وقد تكون العافية في هذا الحديث من الناس وغيرهم ، قال : وبيان ذلك في حديث أم مبشر الأنصارية قالت : دخل علي رسول [ ص: 212 ] الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا في نخل لي فقال : من غرسه أمسلم أم كافر ؟ قلت : لا بل مسلم ، فقال : ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه إنسان أو دابة أو طائر أو سبع إلا كانت له صدقة . وأعطاه المال عفوا بغير مسألة ; قال الشاعر :


                                                          خذي العفو مني تستديمي مودتي‌     ولا تنطقي في سورتي حين أغضب

                                                          وأنشد ابن بري :


                                                          فتملأ الهجم عفوا وهي وادعة‌‌     حتى تكاد شفاه الهجم تنثلم

                                                          وقال حسان بن ثابت :


                                                          خذ ما أتى منهم عفوا فإن منعوا     فلا يكن همك الشيء الذي منعوا

                                                          قال الأزهري : والمعفي الذي يصحبك ولا يتعرض لمعروفك ، تقول : اصطحبنا وكلنا معف ; وقال ابن مقبل :


                                                          فإنك لا تبلو امرأ دون صحبة     وحتى تعيشا معفيين وتجهدا

                                                          وعفو المال : ما يفضل عن النفقة . وقوله تعالى : ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال أبو إسحاق : العفو الكثرة والفضل ، فأمروا أن ينفقوا الفضل إلى أن فرضت الزكاة . وقوله تعالى : خذ العفو قيل : العفو الفضل الذي يجيء بغير كلفة ، والمعنى اقبل الميسور من أخلاق الناس ولا تستقص عليهم فيستقصي الله عليك مع ما فيه من العداوة والبغضاء . وفي حديث ابن الزبير : أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس ; قال : هو السهل الميسر ، أي : أمره أن يحتمل أخلاقهم ويقبل منها ما سهل وتيسر ولا يستقصي عليهم . وقال الفراء في قوله تعالى : ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو قال وجه الكلام فيه النصب ، يريد قل ينفقون العفو ، وهو فضل المال ; وقال أبو العباس : من رفع أراد الذي ينفقون العفو ، قال : وإنما اختار الفراء النصب لأن ماذا عندنا حرف واحد أكثر في الكلام ، فكأنه قال : ما ينفقون ، فلذلك اختير النصب ، قال : ومن جعل ذا بمعنى الذي رفع ، وقد يجوز أن يكون ماذا حرفا ، ويرفع بالائتناف ; وقال الزجاج : نزلت هذه الآية قبل فرض الزكاة فأمروا أن ينفقوا الفضل إلى أن فرضت الزكاة ، فكان أهل المكاسب يأخذ الرجل ما يحسبه في كل يوم أي : ما يكفيه ويتصدق بباقيه ، ويأخذ أهل الذهب والفضة ما يكفيهم في عامهم وينفقون باقيه ، هذا قد روي في التفسير ، والذي عليه الإجماع أن الزكاة في سائر الأشياء قد بين ما يجب فيها ، وقيل : العفو ما أتى بغير مسألة . والعافي : ما أتى على ذلك من غير مسألة أيضا ; قال :


                                                          يغنيك عافيه وعيد النحز

                                                          النحز : الكد والنخس ، يقول : ما جاءك منه عفوا أغناك عن غيره . وأدرك الأمر عفوا صفوا أي : في سهولة وسراح . ويقال : خذ من ماله ما عفا وصفا أي : ما فضل ولم يشق عليه . ابن الأعرابي : عفا يعفو إذا أعطى ، وعفا يعفو إذا ترك حقا ، وأعفى إذا أنفق العفو من ماله ، وهو الفاضل عن نفقته . وعفا القوم : كثروا . وفي التنزيل : حتى عفوا أي : كثروا . وعفا النبت والشعر وغيره يعفو فهو عاف : كثر وطال . وفي الحديث : أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بإعفاء اللحى ; هو أن يوفر شعرها ويكثر ولا يقص كالشوارب ، من عفا الشيء إذا كثر وزاد . يقال : أعفيته وعفيته لغتان إذا فعلت به كذلك . وفي الصحاح : وعفيته أنا وأعفيته لغتان إذا فعلت به ذلك ; ومنه حديث القصاص : لا أعفى من قتل بعد أخذ الدية ; هذا دعاء عليه أي : لا كثر ماله ولا استغنى ; ومنه الحديث : إذا دخل صفر وعفا الوبر وبرئ الدبر حلت العمرة لمن اعتمر ، أي : كثر وبر الإبل ، وفي رواية : وعفا الأثر ، بمعنى درس وامحى . وفي حديث مصعب بن عمير : إنه غلام عاف أي : وافي اللحم كثيره . والعافي : الطويل الشعر . وحديث عمر - رضي الله عنه : إن عاملنا ليس بالشعث ولا العافي ، ويقال للشعر إذا طال ووفى : عفاء ; قال زهير :


                                                          أذلك أم أجب البطن جأب‌‌     عليه من عقيقته عفاء

                                                          وناقة ذات عفاء : كثيرة الوبر . وعفا شعر ظهر البعير : كثر وطال فغطى دبره ; وقوله أنشده ابن الأعرابي :


                                                          هلا سألت إذا الكواكب أخلفت‌‌     وعفت مطية طالب الأنساب

                                                          فسره فقال : عفت أي : لم يجد أحد كريما يرحل إليه فعطل مطيته فسمنت وكثر وبرها . وأرض عافية : لم يرع نبتها فوفر وكثر . وعفوة المرعى : ما لم يرع فكان كثيرا . وعفت الأرض إذا غطاها النبات ; قال حميد يصف دارا :


                                                          عفت مثل ما يعفو الطليح فأصبحت     بها كبرياء الصعب وهي ركوب

                                                          يقول : غطاها العشب كما طر وبر البعير وبرأ دبره . وعفوة الماء : جمته قبل أن يستقى منه ، وهو من الكثرة . قال الليث : ناقة عافية اللحم كثيرة اللحم ، ونوق عافيات ; وقال لبيد :


                                                          بأسوق عافيات اللحم كوم

                                                          ويقال : عفوا ظهر هذا البعير أي : دعوه حتى يسمن . ويقال : عفا فلان على فلان في العلم إذا زاد عليه ; قال الراعي :


                                                          إذا كان الجراء عفت عليه

                                                          أي : زادت عليه في الجري ; وروى ابن الأعرابي بيت البعيث :


                                                          بعيد النوى جالت بإنسان عينه     عفاءة دمع جال حتى تحدرا

                                                          يعني دمعا كثر وعفا فسال . ويقال : فلان يعفو على منية المتمني وسؤال السائل أي : يزيد عطاؤه عليهما ; وقال لبيد :


                                                          يعفو على الجهد والسؤال كما‌‌     يعفو عهاد الأمطار والرصد

                                                          أي : يزيد ويفضل . وقال الليث : العفو أحل المال وأطيبه . وعفو كل شيء : خياره وأجوده وما لا تعب فيه ، وكذلك عفاوته وعفاوته .

                                                          [ ص: 213 ] وعفا الماء إذا لم يطأه شيء يكدره . وعفوة المال والطعام والشراب وعفوته ; الكسر عن كراع : خياره وما صفا منه وكثر ، وقد عفا عفوا وعفوا . وفي حديث ابن الزبير أنه قال للنابغة : أما صفو أموالنا فلآل الزبير ، وأما عفوه فإن تيما وأسدا تشغله عنك . قال الحربي : العفو أحل المال وأطيبه ، وقيل : عفو المال ما يفضل عن النفقة ; قال ابن الأثير : وكلاهما جائز في اللغة ، قال : والثاني أشبه بهذا الحديث : وعفو الماء : ما فضل عن الشاربة وأخذ بغير كلفة ، ولا مزاحمة عليه . ويقال : عفى على ما كان منه إذا أصلح بعد الفساد . أبو حنيفة : العفوة - بضم العين - من كل النبات لينه وما لا مؤونة على الراعية فيه . وعفوة كل شيء وعفاوته وعفاوته ; الضم عن اللحياني : صفوه وكثرته ، يقال : ذهبت عفوة هذا النبت أي : لينه وخيره ; قال ابن بري : ومنه قول الأخطل :


                                                          المانعين الماء حتى يشربوا     عفواته ويقسموه سجالا

                                                          والعفاوة : ما يرفع للإنسان من مرق . والعافي : ما يرد في القدر من المرقة إذا استعيرت . قال ابن سيده : وعافي القدر ما يبقي فيها المستعير لمعيرها ; قال مضرس الأسدي :


                                                          فلا تسأليني واسألي ما خليقتي     إذا رد عافي القدر من يستعيرها

                                                          قال ابن السكيت : عافي في هذا البيت في موضع الرفع لأنه فاعل ، ومن في موضع النصب لأنه مفعول به ، ومعناه أن صاحب القدر إذا نزل به الضيف نصب لهم قدرا ، فإذا جاءه من يستعير قدره فرآها منصوبة لهم رجع ولم يطلبها ، والعافي : هو الضيف ، كأنه يرد المستعير لارتداده دون قضاء حاجته ، وقال غيره : عافي القدر بقية المرقة يردها المستعير ، وهو في موضع النصب ، وكان وجه الكلام عافي القدر فترك الفتح للضرورة . قال ابن بري : قال ابن السكيت : العافي والعفوة والعفاوة ما يبقى في أسفل القدر من مرق وما اختلط به ، قال : وموضع عافي رفع لأنه هو الذي رد المستعير ، وذلك لكلب الزمان وكونه يمنع إعارة القدر لتلك البقية . والعفاوة : الشيء يرفع من الطعام للجارية تسمن فتؤثر به ; وقال الكميت :


                                                          وظل غلام الحي طيان ساغبا‌     وكاعبهم ذات العفاوة أسغب

                                                          قال الجوهري : والعفاوة - بالكسر - ما يرفع من المرق أولا يخص به من يكرم ، وأنشد بيت الكميت أيضا ، تقول منه : عفوت له من المرق إذا غرفت له أولا وآثرته به ، وقيل : العفاوة - بالكسر - أول المرق وأجوده ، والعفاوة - بالضم - آخره يردها مستعير القدر مع القدر ; يقال منه : عفوت القدر إذا تركت ذلك في أسفلها . والعفاء ، بالمد والكسر : ما كثر من الوبر والريش ، الواحدة عفاءة ; قال ابن بري : ومنه قول ساعدة بن جؤية يصف الضبع :


                                                          كمشي الأفتل الساري عليه‌     عفاء كالعباءة عفشليل

                                                          وعفاء النعام وغيره : الريش الذي على الزف الصغار ، وكذلك عفاء الديك ونحوه من الطير ، الواحدة عفاءة ممدودة . وناقة ذات عفاء ، وليست همزة العفاء والعفاءة أصلية ، إنما هي واو قلبت ألفا فمدت مثل السماء ، أصل مدتها الواو ، ويقال في الواحدة : سماوة وسماءة ، قال : ولا يقال للريشة الواحدة عفاءة حتى تكون كثيرة كثيفة ; وقال بعضهم في همزة العفاء : إنها أصلية ; قال الأزهري : وليست همزتها أصلية عند النحويين الحذاق ، ولكنها همزة ممدودة ، وتصغيرها عفي . وعفاء السحاب : كالخمل في وجهه لا يكاد يخلف . وعفوة الرجل وعفوته : شعر رأسه . وعفا المنزل يعفو وعفت الدار ونحوها عفاء وعفوا وعفت وتعفت تعفيا : درست ، يتعدى ولا يتعدى ، وعفتها الريح وعفتها ، شدد للمبالغة ; قال :


                                                          أهاجك ربع دارس الرسم باللوى     لأسماء عفى آيه المور والقطر

                                                          ويقال : عفى الله على أثر فلان وعفا الله عليه وقفى الله على أثر فلان وقفا عليه بمعنى واحد . والعفي : جمع عاف وهو الدارس . وفي حديث الزكاة : قد عفوت عن الخيل والرقيق فأدوا زكاة أموالكم أي : تركت لكم أخذ زكاتها وتجاوزت عنه ، من قولهم عفت الريح الأثر إذا طمسته ومحته ; ومنه حديث أم سلمة : قالت لعثمان - رضي الله عنهما : لا تعف سبيلا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحبها أي : لا تطمسها ; ومنه الحديث : تعافوا الحدود فيما بينكم ; أي : تجاوزوا عنها ولا ترفعوها إلي فإني متى علمتها أقمتها . وفي حديث ابن عباس : وسئل عما في أموال أهل الذمة فقال العفو أي : عفي لهم عما فيها من الصدقة وعن العشر في غلاتهم . وعفا أثره عفاء : هلك ، على المثل ; قال زهير يذكر دارا :


                                                          تحمل أهلها منها فبانوا     على آثار من ذهب العفاء

                                                          والعفاء - بالفتح : التراب ; روى أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : إذا كان عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاء . قال أبو عبيد وغيره : العفاء التراب ، وأنشد بيت زهير يذكر الدار ، وهذا كقولهم : عليه الدبار إذا دعا عليه أن يدبر فلا يرجع . وفي حديث صفوان بن محرز : إذا دخلت بيتي فأكلت رغيفا وشربت عليه ماء فعلى الدنيا العفاء . والعفاء : الدروس والهلاك وذهاب الأثر . وقال الليث : يقال في السب بفيه العفاء ، وعليه العفاء ، والذئب العواء ; وذلك أن الذئب يعوي في إثر الظاعن إذا خلت الدار عليه ، وأما ما ورد في الحديث : إن المنافق إذا مرض ثم أعفي كان كالبعير عقله أهله ثم أرسلوه فلم يدر لم عقلوه ولا لم أرسلوه ; قال ابن الأثير : أعفي المريض بمعنى عوفي . والعفو : الأرض الغفل لم توطأ وليست بها آثار . قال ابن السكيت : عفو البلاد ما لا أثر لأحد فيها بملك . وقال الشافعي في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - من أحيا أرضا ميتة فهي له إنما ذلك في عفو البلاد التي لم تملك ; وأنشد ابن السكيت :


                                                          قبيلة كشراك النعل دارجة‌‌     إن يهبطوا العفو لا يوجد لهم أثر

                                                          قال ابن بري : الشعر للأخطل ; وقبله :


                                                          إن اللهازم لا تنفك تابعة     هم الذنابى وشرب التابع الكدر

                                                          [ ص: 214 ] قال : والذي في شعره :


                                                          تنزو النعاج عليها وهي باركة‌‌     تحكي عطاء سويد من بني غبرا
                                                          قبيلة كشراك النعل دارجة‌‌     إن يهبطوا عفو أرض لا ترى أثرا

                                                          قال الأزهري : والعفا من البلاد - مقصور - مثل العفو الذي لا ملك لأحد فيه . وفي الحديث : أنه أقطع من أرض المدينة ما كان عفا أي : ما ليس لأحد فيه أثر ، وهو من عفا الشيء إذا درس أو ما ليس لأحد فيه ملك ، من عفا الشيء يعفو إذا صفا وخلص . وفي الحديث : ويرعون عفاها أي : عفوها . والعفو والعفو والعفو والعفا والعفا - بقصرهما : الجحش ، وفي التهذيب : ولد الحمار ; وأنشد ابن السكيت والمفضل لأبي الطمحان حنظلة بن شرقي :


                                                          بضرب يزيل الهام عن سكناته     وطعن كتشهاق العفا هم بالنهق

                                                          والجمع أعفاء وعفاء وعفوة . والعفاوة - بكسر العين : الأتان بعينها ; عن ابن الأعرابي . أبو زيد : يقال عفو وثلاثة عفوة مثل قرطة ، قال : وهو الجحش والمهر أيضا ، وكذلك العجلة والظئبة جمع الظأب ، وهو السلف . أبو زيد : العفوة أفتاء الحمر ، قال : ولا أعلم في جميع كلام العرب واوا متحركة بعد حرف متحرك في آخر البناء غير واو عفوة ، قال : وهي لغة لقيس ، كرهوا أن يقولوا عفاة في موضع فعلة ، وهم يريدون الجماعة ، فتلتبس بوحدان الأسماء ، قال : ولو تكلف متكلف أن يبني من العفو اسما مفردا على بناء فعلة لقال عفاة . وفي حديث أبي ذر - رضي الله عنه : أنه ترك أتانين وعفوا ; العفو - بالكسر والضم والفتح : الجحش ، قال ابن الأثير : والأنثى عفوة وعفوة . ومعافى : اسم رجل ; عن ثعلب . .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية