الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن قال : بعتك هذا السمن مع الظرف كل منا بدرهم - نظرت فإن لم يعلما مقدار السمن والظرف - لم يجز ، لأن ذلك غرر ، لأن الظرف قد يكون خفيفا ، وقد يكون ثقيلا ، وإن علما وزنها جاز ، لأنه لا غرر فيه ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) ( المنا ) على وزن العصا هو رطلان بالبغدادي ، وفيه لغة ضعيفة ( منا ) بتشديد النون ، قال أصحابنا : فيبيع السمن في الظرف مسائل : ( إحداها ) إذا كان السمن أو الزيت أو غيرهما من الأدهان ونحوها مما لا يختلف في ظرف ، فرآه ثم اشترى رطلا أو أرطالا صح البيع ، [ ص: 387 ] كما سبق بيانه في مسائل الصبرة ، هكذا قطعوا به ، ويجيء فيه الوجه السابق عن القفال في بيع صاع من الصبرة ، وقد أشار إليه صاحب التتمة .

                                      ( الثانية ) إذا رآه ثم اشتراه مع ظرفه بعشرة دراهم مثلا صح البيع ، سواء كان ظرفه من فخار أو خشب أو حديد أو نحاس ، أو كان زقا ، وسواء عرفا وزنهما أم لا ، هذا هو المذهب ، وبه قطع الجمهور ، قال الروياني : وحكى بعض أصحابنا الخراسانيين قولين فيما إذا لم يعلما الوزن ، قال : وليس هذا بشيء ، ولو اشترى نصفه أو ربعه صح .

                                      ( الثالثة ) إذا قال : بعتك جميع هذا السمن كل رطل بدرهم صح البيع ، ويوزن السمن في شيء آخر ، ويوزن في ظرفه ثم يسقط وزن الظرف بعد تفريغه ، هكذا قطع به الأصحاب ، وينبغي أن يجيء فيه الوجه السابق عن أبي الحسين بن القطان في مثله في الصبرة .

                                      ( الرابعة ) إذا قال : بعتكه كل رطل بدرهم على أن يوزن معه الظرف ، ثم يحط وزن الظرف ، صح البيع بالاتفاق كالصورة التي قبلها ، لأنها هكذا تباع في العادة ، ولأنه لا غرر .

                                      ( الخامسة ) إذا قال : بعتك هذا السمن كل رطل بدرهم على أن يوزن الظرف معه ويحسب على المشتري وزنه ، ولا يكون الظرف مبيعا ، فالبيع باطل باتفاق الأصحاب ، لأنه شرط في بيع السمن أن يزن معه غيره ، وليس ذلك الوزن معه مبيعا فلم يصح ، كما لو قال : بعتك هذه الصبرة كل صاع بدرهم على أن أكيل معها شعيرا ، هكذا أطلقه الأصحاب ، ولم يفرقوا بين أن يعلما وزن الظرف أم لا ، قال ابن الصباغ : وينبغي أن يجوز إذا علما وزن الظرف والسمن ، ويكون كقوله : بعتك الصبرة على أن أنقصك صاعا وأحسب ثمنه عليك ، وهي معلومة الصيعان ، لأنه لا غرر [ ص: 388 ] حينئذ ، وحكى المتولي هذا وجها لبعض الأصحاب ، وحكى الروياني كلام الأصحاب ثم حكى كلام ابن الصباغ عن بعض الأصحاب ، ولم يسمه ، ومراده ما نقله المتولي أو ما قاله ابن الصباغ فهو كثير النقل عنهما .

                                      ( السادسة ) إذا قال : بعتك هذا السمن بظرفه ، كل رطل من المجمد بدرهم فثلاثة أوجه ( أصحها ) عند الجمهور وأشهرها ، وبه قطع المصنف والشيخ أبو حامد والماوردي والقاضي أبو الطيب في المجرد ، وجمهور سائر العراقيين وصححه المتولي وآخرون ، أنهما إن علما وزن كل واحد صح البيع ، وإلا فلا لما ذكره المصنف ( والثاني ) يصح مطلقا وهو الأصح عند البغوي ، وبه قال الدارمي ، واختاره ابن الصباغ ، لأن جملة المبيع مرئية ، ولا يضر اختلاف قيمتها ، كما لو اشترى فواكه من أجناس وهي مختلطة وزنا أو حنطة مختلطة بالشعير كيلا ، فإنه يصح ( والثالث ) أنه لا يصح مطلقا حكاه البغوي وغيره ، لأن المقصود السمن ، وهو مجهول بخلاف الفواكه ، فإنها كلها مقصودة ، قال أصحابنا : وصورة المسألة أن يكون للظرف قيمة ، فإن لم يكن له قيمة لم يصح البيع بلا خلاف ، لأنه شرط عليه ما لا قيمة له وأخذ الثمن في مقابلة وزنه .

                                      ( السابعة ) إذا قال : بعتك هذا السمن على أن أزنه بظرفه ، ثم أسقط الثمن بقسط وزن الظرف ، قال الروياني والأصحاب : إن كانا عند العقد عالمين قدر وزن الظرف وقدر قسطه صح البيع ، وإن جهلاه أو أحدهما لم يصح ، لأنهما لا يعلمان هل يكون المسقط درهمين فيكون الثمن عشرة أو أقل أو أكثر فصار الثمن مجهولا ، قالوا : وهذا بخلاف ما لو قال : بعتك هذا السمن كل رطل ثم أظرف كذا وزن الظرف ، فإنه يصح كما سبق ، لأن حاصله بيع السمن جميعه ، كل رطل بدرهم ، فلا يضر جهالة وزن الظرف .



                                      [ ص: 389 ] فرع ) ذكرنا أنه إذا اشترى السمن ونحوه مع ظرفه جزافا صح البيع هكذا أطلقه الجمهور ، قال القاضي حسين والمتولي : هذا إذا كانا قد شاهدا الظرف فارغا ، وعرفا قدر ثخانته أو كانت ثخانته معلومة بالعادة ، وإن كان الظرف مما تختلف ثخانته وتتفاوت لم يصح البيع ، لأنه لو باع السمن وحده والحالة هذه لم يصح البيع ، للجهل بقدره ، فإذا باعهما فأولى بالبطلان . قال القاضي حسين : ولو كان الظرف يستوفيه ورأى أعلاها فإن كانت جوانبها مستترة لم يصح البيع وإن كانت مكشوفة ولكن أسفلها مستتر ، قال أصحابنا : لا يصح ، قال القاضي : وعندي أنه يصح ، لأنه يستدل بالجوانب على الأسفل لأن الغالب استواؤهما فإن خرج أغلظ من الجوانب ثبت الخيار ، كما لو اشترى صبرة فخرج تحتها دكة .



                                      ( فرع ) قال البغوي والأصحاب : لو قال : بعتك المسك مع فأرته ، كل مثقال بدينار ، فهو كبيع السمن بظرفه كل رطل بدرهم ، ويجيء فيه باقي المسائل .



                                      ( فرع ) قد ذكرنا أنه إذا باع السمن مع ظرفه جزافا صح البيع ، قال أصحابنا : ولو باع لبنا مخلوطا بالماء لم يصح بلا خلاف ، والفرق أن المقصود وهو اللبن غير متميز ولا معلوم ( وأما ) هنا فالمقصود السمن ، وهو متميز ، فصار كما لو باع عبدا وعليه ثوب مع الثوب ، فإنه يصح بالإجماع .



                                      ( فرع ) إذا اشترى جامدا في ظرفه كالدقيق والحنطة والتمر والزبيب وغير ذلك موازنة ، كل رطل بدرهم ، بشرط أن يوزن مع ظرفه ، ثم يسقط قدر وزن الظرف ، فوجهان حكاهما الماوردي والروياني ( أحدهما ) لا يصح البيع ، لأن الجامد لا يحتاج إلى وزنه مع ظرفه ، لإمكان وزنه بدونه ، قالا : وإلى هذا مال أبو إسحاق المروزي ( والثاني ) [ ص: 390 ] يصح وهذا مقتضى كلام جمهور الأصحاب ، وهو الصواب إذ لا مفسدة فيه ولا غرر ولا جهالة .



                                      ( فرع ) إذا اشترى سمنا أو غيره من المائعات أو غيرها في ظرفه ، كل رطل بدرهم مثلا ، على أن يوزن بظرفه ، ويسقط أرطال معينة بسبب الظرف ، ولا يوزن الظرف فالبيع باطل بلا خلاف ، لأنه غرر ظاهر ، وهذا من المنكرات المحرمة التي تقع في كثير من الأسواق .




                                      الخدمات العلمية