الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 674 ) فصل : ولا تجزئه القراءة بغير العربية ، ولا إبدال لفظها بلفظ عربي ، سواء أحسن قراءتها بالعربية أو لم يحسن . وبه قال الشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد . وقال أبو حنيفة : يجوز ذلك . وقال بعض أصحابه : أنما يجوز لمن لم يحسن العربية . واحتج بقوله تعالى : { وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ } . ولا ينذر كل [ ص: 289 ] قوم إلا بلسانهم ولنا قول الله تعالى : { قرآنا عربيا } .

                                                                                                                                            وقوله تعالى : { بلسان عربي مبين } . ولأن القرآن معجزة ; لفظه ، ومعناه ، فإذا غير خرج عن نظمه ، فلم يكن قرآنا ولا مثله ، وإنما يكون تفسيرا له ، ولو كان تفسيره مثله لما عجزوا عنه لما تحداهم بالإتيان بسورة من مثله ، أما الإنذار ، فإنه إذا فسره لهم كان الإنذار بالمفسر دون التفسير . ( 675 ) فصل : فإن لم يحسن القراءة بالعربية ، لزمه التعلم ، فإن لم يفعل مع القدرة عليه ، لم تصح صلاته ، فإن لم يقدر أو خشي فوات الوقت ، وعرف من الفاتحة آية ، كررها سبعا . قال القاضي : لا يجزئه غير ذلك ; لأن الآية منها أقرب إليها من غيرها .

                                                                                                                                            وكذلك إن أحسن منها أكثر من ذلك ، كرره بقدره . ويحتمل أن يأتي ببقية الآي من غيرها ; لأن هذه الآية يسقط فرضها بقراءتها ، فيعدل عن تكرارها إلى غيرها ، كمن وجد بعض الماء ، فإنه يغسل به ، ويعدل إلى التيمم . وذكر القاضي هذا الاحتمال في " الجامع " . ولأصحاب الشافعي وجهان ، كما ذكرنا . فأما إن عرف بعض آية ، لم يلزمه تكرارها ، وعدل إلى غيرها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي لا يحسن القرآن أن يقول : ( الحمد لله ) وغيرها .

                                                                                                                                            وهي بعض آية ، ولم يأمره بتكرارها .

                                                                                                                                            وإن لم يحسن شيئا منها ، وكان يحفظ غيرها من القرآن ، قرأ منه بقدرها إن قدر ، لا يجزئه غيره ; لما روى أبو داود ، عن رفاعة بن رافع ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا قمت إلى الصلاة ، فإن كان معك قرآن فاقرأ به ، وإلا فاحمد الله ، وهلله ، وكبره } ولأنه من جنسها ، فكان أولى . ويجب أن يقرأ بعدد آياتها .

                                                                                                                                            وهل يعتبر أن يكون بعدد حروفها ؟ فيه وجهان : أحدهما ، لا يعتبر ; لأن الآيات هي المعتبرة ، بدليل أنه لا يكفي عدد الحروف دونها ، فأشبه من فاته صوم يوم طويل ، فلا يعتبر أن يكون القضاء في يوم على قدر ساعات الأداء . والثاني : يلزمه ذلك ; لأن الحرف مقصود ; بدليل تقدير الحسنات به ، ويخالف الصوم ، إذ لا يمكن اعتبار المقدار في الساعات إلا بمشقة . فإن لم يحسن إلا آية ، كررها سبعا . فإن لم يحسن شيئا من القرآن ، ولا أمكنه التعلم قبل خروج الوقت ، لزمه أن يقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ; لما روى أبو داود ، قال { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن ، فعلمني ما [ ص: 290 ] يجزئني منه . فقال : قل : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله قال : هذا لله . فما لي ؟ قال : تقول : اللهم اغفر لي ، وارحمني ، وارزقني ، واهدني ، وعافني } .

                                                                                                                                            ولا يلزمه الزيادة على الخمس الأول ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر عليها ، وإنما زاده عليها حين طلب الزيادة . وذكر بعض أصحاب الشافعي ، أنه يزيد على هذه الخمس كلمتين ، حتى تكون مقام سبع آيات . ولا يصح ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه ذلك جوابا لقوله : علمني ما يجزئني .

                                                                                                                                            والسؤال كالمعتاد في الجواب ، فكأنه قال : يجزئك هذا . وتفارق القراءة من غير الفاتحة ; لأنه بدل من غير الجنس ، فأشبه التيمم . فإن لم يحسن هذه الكلمات كلها ، قال ما يحسن منها . وينبغي أن يلزمه تكرار ما يحسن منها بقدرها ، كمن يحسن بعض الفاتحة . ويحتمل أن يجزئه التحميد والتهليل والتكبير ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { فإن كان معك قرآن فاقرأ به ، وإلا فاحمد الله ، وهلله ، وكبره } رواه أبو داود .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية