الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يجوز بيع الحمل في البطن ، لما روى ابن عمر رضي الله عنه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المجر } والمجر اشتراء ما في الأرحام ، ولأنه قد يكون حملا وقد يكون ريحا ، وذلك غرر من غير حاجة ، فلم يجز ، ولأنه إن كان حملا فهو مجهول القدر ، ومجهول الصفة ، وذلك غرر من غير حاجة ، فلم يجز ، وإن باع حيوانا وشرط أنه حامل ففيه قولان ( أحدهما ) أن البيع باطل ، لأنه مجهول الوجود مجهول الصفة ( والثاني ) أنه يجوز لأن الظاهر أنه موجود ، والجهل به لا يؤثر ، لأنه لا تمكن رؤيته فعفي عن الجهل به كأساس الدار ) .

                                      [ ص: 395 ]

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث ابن عمر رواه البيهقي ، وأشار إلى تضعيفه وضعفه يحيى بن معين والمجر - بميم مفتوحة ثم جيم ساكنة ثم راء - وهو بيع الجنين ، كما فسره المصنف ، وأجمع العلماء على بطلان بيع الجنين ، وعلى [ ص: 392 ] بطلان بيع ما في أصلاب الفحول ، نقل الإجماع فيهما ابن المنذر والماوردي وغيرهما ، لأنه غرر وللأحاديث ، ولما ذكره المصنف ( أما ) إذا باع حيوانا من شاة أو بقرة أو ناقة أو فرس أو جارية أو غيرها وشرط أنها حامل ففي صحة البيع خلاف مشهور ، حكاه المصنف والجمهور قولين ، وحكاه جماعة وجهين ، ودليلهما في الكتاب ( أصحهما ) عند الأصحاب الصحة ( والثاني ) البطلان . قيل : يصح في الجارية قولا واحدا ، حكاه الروياني وآخرون ، قالوا : لأن الحمل في الجارية عيب ، فيكون إعلاما بالعيب والمشهور أنها على القولين . قال أصحابنا : هما مبنيان على القولين المشهورين في أن الحمل هل يعرف أم لا ؟ ( أصحهما ) يعرف ، وله حكم ، وله قسط من الثمن ( والثاني ) لا يعرف ، ولا حكم له ، ولا قسط من الثمن ، وقد ذكر المصنف القولين في آخر الباب الأول من كتاب البيوع ، وسبق شرحهما هناك ( وإن قلنا ) يعرف صح هنا ، وإلا فلا .

                                      ( أما ) إذا قال : بعتك هذه الجارية وحملها أو هذه الشاة وحملها أو مع حملها أو بعتك هذه الشاة وما في ضرعها من اللبن ، فوجهان مشهوران ( أصحهما ) لا يصح البيع ، وبه قال ابن الحداد والشيخ أبو علي السنجي ، لأنه جعل المجهول مبيعا مع المعلوم ، بخلاف البيع بشرط أنها حامل ، فإنه وصف بائع فاحتمل ( والثاني ) يصح ، وبه قال الشيخ أبو زيد ، ونقله في البيان عن الأكثرين ، لأنه يدخل عند الإطلاق في البيع فلا يضر ذكره ، بل يكون توكيدا وبيانا لمقتضاه ، قال هؤلاء : وهذا كما لو قال : بعتك هذه الرمانة وحبها ، أو هذا الجوز ولبه ، فإنه يصح قطعا ، مع أنه لو أفرد اللب بالبيع لم يصح ، قال القاضي أبو الطيب : وينبغي أن يطرد الخلاف في مسألتي الرمانة والجوز أيضا ( والمذهب ) الجزم بالصحة فيهما .

                                      [ ص: 393 ] أما ) إذا قال : بعتك هذه الجبة وحشوها أو بحشوها فطريقان ( أحدهما ) أنه على الوجهين في قوله : بعتك الشاة وحملها ( والثاني ) يصح قولا واحدا ( وأصحهما ) الصحة قطعا ، لأن الحشو داخل في مسمى الجبة ، فيكون ذكره توكيدا للفظ الجبة بخلاف الحمل ، ولأن الحشو متيقن بخلاف الحمل ( فإذا قلنا ) بالبطلان في هذه الصور قال أبو علي السنجي : يكون في مسألة الجبة في صحة البيع ، في الظهارة والبطانة قولا تفريق الصفقة ، وفي صورة الجارية والشاة يبطل البيع في الجميع ، لأن الحشو يمكن معرفة قيمته ، قال إمام الحرمين : هذا التفصيل حسن ، قال أصحابنا : لو باع حاملا وشرط وضعها لرأس البيع لم يصح بلا خلاف ، واستدل له صاحب الشامل والأصحاب بأنه شرط لا يقدر على الوفاء به ، قال أصحابنا : وبيض الطير كحمل الجارية والدابة في كل ما ذكرناه .

                                      ( فرع ) قال أصحابنا لو باع بشرط أنها لبون فطريقان مشهوران ( أصحهما ) أنه على القولين في البيع بشرط الحمل ، لكن الصحة هنا أقوى ( والطريق الثاني ) يصح قطعا ، لأن هذا شرط صفة فيها لا يقتضي وجود اللبن حالة العقد ، فهو كشرط الكتابة في العبد ، فإن شرط كون اللبن في الضرع في الحال كان فيه القولان في شرط الحمل ( أصحهما ) الصحة ، ولو شرط كونها تدر كل يوم قدرا معلوما من اللبن بطل البيع بلا خلاف ، لأن ذلك لا يمكن معرفته ، ولا ضبطه فلم يصح كما لو شرط في العبد أن يكتب كل يوم عشر ورقات .

                                      ( فرع ) إذا شرط كونها حاملا أو لبونا - وصححنا البيع - فلم يجدها كذلك ثبت الخيار بلا خلاف ، كما لو شرط أن العبد كاتب فاختلف .

                                      ( فرع ) قد ذكرنا أن بيع الحمل باطل بالإجماع ، قال أصحابنا : سواء باعه لمالك الأم أو لغيره ، بخلاف ما إذا باع الثمرة قبل بدو [ ص: 394 ] الصلاح لمالك الشجرة ، فإنه يصح البيع على أحد الوجهين ، لأن الثمرة متيقنة الوجود ، معلومة الصفات بالمشاهدة بخلاف الحمل .



                                      ( فرع ) إذا باع حاملا بيعا مطلقا دخل الحمل في البيع بالإجماع ، ولو باعها إلا حملها لم يصح البيع على الصحيح ، وبه قطع المصنف في الفصل الأخير من هذا الباب وجمهور الأصحاب ، كما لو باعها إلا عضوا منها ، فإنه لا يصح باتفاق ، وحكى إمام الحرمين وغيره فيه وجهين ، والمذهب ولو كانت الأم لإنسان ، والحمل لآخر بالوصية ونحوها ، فباع الأم لمالك الحمل أو لغيره ، أو باع جارية حاملا بحر ، فطريقان ( أصحهما ) وبه قطع الجمهور لا يصح البيع ، لأنه لا يدخل في البيع ، فيصير كأنه استثناه ( والثاني ) فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين والغزالي ، واختار الصحة ، وصرح الغزالي في مواضع كثيرة من الوسيط أن الأصح صحة بيع الجارية الحامل بحر ، وليس كما قال ، بل الصحيح الذي قطع به الجماهير بطلان بيعها .



                                      ولو باع سمسما واستثنى لنفسه منه الكسب ، أو باع قطنا واستثنى لنفسه من الخشب ، فالبيع باطل بلا خلاف . ولو باع شاة لبونا واستثنى لبنها ، لم يصح البيع على المذهب وبه قطع الجمهور ، وفيه وجه شاذ ضعيف جدا أنه يصح ، حكاه الرافعي وجعله صاحب الشامل احتمالا لنفسه ، قال : لأنه يمكن تسليم الأصل دونه بأن يخليه في الحال ، بخلاف الحمل .



                                      ( فرع ) إذا قلنا بالمذهب إنه لا يجوز بيع الجارية دون حملها إذا كانت الأم لواحد والولد لآخر ، فوكلا رجلا ليبيعهما معا بصفقة واحدة ، أو وكل أحدهما الآخر في بيع ملكه فباعها ، لم يصح البيع ، ذكره الروياني ، وغيره ، قالوا : لأنه لا يملك العقد بنفسه ، فلا يصح توكيله فيه .



                                      [ ص: 395 ] فرع ) قال الشافعي في كتاب الصرف : لا خير في أن يبيع الدابة ويشترط عقاقها ، قال أصحابنا وغيرهم : العقاق - بكسر العين - الحمل ، وهو أحد القولين ، وهو منع بيعها بشرط الحمل ، هكذا أطبق أصحابنا على تفسيره ، ويجوز أن يفسر بأنه شرط استثناء حملها للبائع .



                                      ( فرع ) ذكر أصحابنا هنا النهي المشهور عن بيع الملاقيح والمضامين ، قالوا : والملاقيح بيع ما في بطون الحوامل من الأجنة ، والمضامين ما في أصلاب الفحول من الماء هكذا فسره أصحابنا وجماهير العلماء وأهل اللغة ، وممن قاله من أهل اللغة أبو عبيدة ، ، وأبو عبيد ، والأزهري ، والهروي ، والجوهري ، وخلائق لا يحصون ، قال مالك بن أنس وصاحبا المجمل والمحكم : المضامين ما في بطون الإناث ، وهذا ضعيف ، لأنه يكون مكررا مع الملاقيح ، قال العلماء : وواحدة الملاقيح ملقوحة ( وأما ) المضامين فواحدها يجوز أن يكون مضمانا ومضمونا ، الأول كمقدام ومقاديم ، والآخر كمجنون ومجانين ، وقد أشار إلى الأول صاحب المحكم ، وإلى الثاني الأزهري سميت بذلك لأن الله تعالى أودعها ظهورها فكأنها ضمنتها .




                                      الخدمات العلمية