الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6458 ) فصل : ويرجع في تقدير الواجب إلى اجتهاد الحاكم ، أو نائبه ، إن لم يتراضيا على شيء ، فيفرض للمرأة قدر كفايتها من الخبز والأدم ، فيفرض للموسرة تحت الموسر قدر حاجتها ، من أرفع خبز البلد الذي يأكله أمثالهما ، وللمعسرة تحت المعسر قدر كفايتها ، من أدنى خبز البلد ، وللمتوسطة تحت المتوسط من أوسطه ، لكل أحد على حسب حاله ، على ما جرت به العادة في حق أمثاله . وكذلك الأدم للموسرة تحت الموسر قدر حاجتها من أرفع الأدم ، من اللحم والأرز واللبن ، وما يطبخ به اللحم ، والدهن على اختلاف أنواعه في بلدانه ; السمن في موضع ، والزيت في آخر ، والشحم ، والشيرج في آخر . وللمعسرة تحت المعسر من الأدم أدونه ، كالباقلا ، والخل ، والبقل ، والكامخ ، وما جرت به عادة أمثالهم ، وما يحتاج إليه من الدهن ، وللمتوسطة تحت المتوسط أوسط ذلك ، من الخبز ، والأدم ، كل على حسب عادته .

                                                                                                                                            وقال الشافعي : الواجب من جنس قوت البلدة ، لا يختلف باليسار والإعسار سوى المقدار . والأدم هو الدهن خاصة ; لأنه أصلح للأبدان ، وأجود في المؤنة ; لأنه لا يحتاج إلى طبخ وكلفة ، ويعتبر الأدم بغالب عادة أهل البلد ، كالزيت بالشام ، والشيرج بالعراق ، والسمن بخراسان . ويعتبر قدر الأدم بالقوت ، فإذا قيل : إن الرطل تكفيه الأوقية من الدهن . فرض ذلك .

                                                                                                                                            وفي كل يوم جمعة رطل لحم ، فإن كان في موضع يرخص اللحم ، زادها على الرطل شيئا . وذكر القاضي في الأدم مثل هذا . وهذا مخالف لقول الله سبحانه وتعالى : { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله } . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : { ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف } . ومتى أنفق الموسر نفقة المعسر ، فما أنفق من سعته ، ولا رزقها بالمعروف .

                                                                                                                                            وقد فرق الله عز وجل بين الموسر والمعسر في الإنفاق ، وفي هذا جمع بين ما فرق الله [ ص: 159 ] تعالى ، وتقدير الأدم بما ذكروه تحكم لا دليل عليه ، وخلاف العادة والعرف بين الناس في إنفاقهم ، فلا يعرج على مثل هذا ، وقد قال ابن عمر : من أفضل ما تطعمون أهليكم ، الخبز واللحم . والصحيح ما ذكرناه ، من رد النفقة المطلقة في الشرع إلى العرف فيما بين الناس في نفقاتهم ، في حق الموسر والمعسر والمتوسط ، كما رددناهم في الكسوة إلى ذلك ، ولأن النفقة من مؤنة المرأة على الزوج ، فاختلف جنسها بالإيسار والإعسار ، كالكسوة . ( 6459 ) فصل : وحكم المكاتب والعبد حكم المعسر ; لأنهما ليس بأحسن حالا منه . ومن نصفه حر ، إن كان موسرا ، فحكمه حكم المتوسط ; لأنه متوسط ، نصفه موسر ، ونصفه معسر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية