الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما أثبت لهم المشيئة التي هي مناط التكليف، وهي الكسب، وكان ربما ظن ظان أو ادعى مدع في خلق الأفعال كما قال أهل [ ص: 161 ] الاعتزال، قال نافيا عنهم الاستقلال، لافتا القول إلى خطابهم، وهو مع كونه خطاب قبض استعطافا بهم إلى التذكر في قراءة الجماعة وبالغيب على الأسلوب الماضي في قراءة ابن كثير وابن عامر: وما تشاءون أي في وقت من الأوقات مشيئة من المشيئات لهذا وغيره على سبيل الاختراع والاستقلال إلا وقت أن يشاء الله أي الملك الأعلى الذي له الأمر كله، ولا أمر لأحد معه، فيوجد المعاني في أنفسكم على حسب ما يريد ويقدر على ما يشاء من آثارها، وقد صح بهذا ما قال الأشعرية وسائر أهل السنة من أن للعبد مشيئة تسمى كسبا لا تؤثر إلا بمشيئة الله تعالى وتحريكها لقدرة العبد، وانتفى مذهب القدرية الذين يقولون: إنا نحن [نخلق -] أفعالنا، ومذهب الجبرية القائلين: لا فعل لنا أصلا، ومثل الملوي ذلك بمن يريد قطع بطيخة [ فحدد سكينا وهيأها وأوجد فيها أسباب القطع وأزال عنها موانعه ثم وضعها على البطيخة - ] فهي لا تقطع دون أن يتحامل عليها التحامل المعروف لذلك، ولو وضع عليها ما لم يصلح للقطع كحطبة مثلا لم تقطع ولو تحامل، فالعبد كالسكين خلقه الله وهيأه بما أعطاه من القدرة للفعل، فمن قال: أنا أخلق فعلي مستقلا به، فهو كمن قال: السكين تقطع بمجرد وضعها من غير تحامل، ومن قال: الفاعل هو الله، من غير [ ص: 162 ] نظر إلى العبد أصلا كان كمن قال: هو يقطع البطيخة بتحامل يده أو قصبة ملساء من غير سكين، والذي يقول: إنه باشر بقدرته المهيأة للفعل بخلق الله لها وتحريكها في ذلك الفعل كان كمن قال: إن السكين قطعت بالتحامل [عليها-] ، بهذا أجرى سبحانه عادته في الناس، ولو شاء غير ذلك فعل، ولا يخفى أن هذا هو الحق الذي لا مرية فيه، ثم علل ذلك بإحاطته بمشيئتهم قائلا: إن الله أي المحيط علما وقدرة كان أي أزلا وأبدا عليما حكيما أي بالغ العلم والحكمة، فهو يمنع منعا محكما من أن يشاء غيره ما لم يأذن فيه، فمن علم في جبلته خيرا أعانه عليه، ومن علم منه الشر ساقه إليه وحمله عليه، وهو معنى

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية