الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 159 ] وإنما المقصود هنا التنبيه على الفرق بين الأقوال الثابتة بالكتاب والسنة وما فيها من العدل والحكمة والرحمة ; وبين الأقوال المرجوحة وأن ما بعث الله به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة يجمع مصالح العباد في المعاش والمعاد على أكمل وجه ; فإنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ولا نبي بعده وقد جمع الله في شريعته ما فرقه شرائع من قبله من الكمال ; إذ ليس بعده نبي فكمل به الأمر كما كمل به الدين .

                فكتابه أفضل الكتب وشرعه أفضل الشرائع ومنهاجه أفضل المناهج وأمته خير الأمم وقد عصمها الله على لسانه فلا تجتمع على ضلالة ; ولكن يكون عند بعضها من العلم والفهم ما ليس عند بعض والعلماء ورثة الأنبياء وقد قال تعالى : { وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين } { ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما } فهذان نبيان كريمان حكما في قصة فخص الله أحدهما بالفهم ; ولم يعب الآخر ; بل أثنى عليهما جميعا بالحكم والعلم . وهذا حكم العلماء المجتهدين ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل العاملين بالكتاب .

                وهذه القضية التي قضى فيها داود وسليمان لعلماء المسلمين فيها وما يشبهها أيضا قولان . منهم من يقضي بقضاء داود . ومنهم من يقضي بقضاء سليمان وهذا هو الصواب وكثير من العلماء أو أكثرهم لا يقول به ; بل قد لا يعرفه . وقد بسطنا هذا في غير هذا الجواب . والله أعلم بالصواب .

                [ ص: 160 ]

                التالي السابق


                [ ص: 160 ] وأما إذا " حلف بالحرام " فقال : الحرام يلزمني لا أفعل كذا أو الحل علي حرام لا أفعل كذا أو ما أحل الله علي حرام إن فعلت كذا أو ما يحل على المسلمين يحرم علي إن فعلت كذا أو نحو ذلك وله زوجة . ففي هذه المسألة نزاع مشهور بين السلف والخلف ; لكن القول الراجح أن هذه يمين لا يلزمه بها طلاق ولو قصد بذلك الحلف بالطلاق وهو مذهب أحمد المشهور عنه حتى لو قال : أنت علي حرام ونوى به الطلاق لم يقع به الطلاق عنده . ولو قال أنت علي كظهر أمي وقصد به الطلاق فإن هذا لا يقع به الطلاق عند عامة العلماء وفي ذلك أنزل الله القرآن فإنهم كانوا يعدون الظهار طلاقا والإيلاء طلاقا : فرفع الله ذلك كله وجعل في الظهار الكفارة الكبرى وجعل الإيلاء يمينا يتربص فيها الرجل أربعة أشهر .

                فإما أن يمسك بمعروف أو يسرح بإحسان . وكذلك قال كثير من السلف والخلف : إنه إذا كان مزوجا فحرم امرأته أو حرم الحلال مطلقا كان مظاهرا وهو مذهب أحمد . وإذا حلف بالظهار أو الحرام لا يفعل شيئا وحنث في يمينه : أجزأته الكفارة في مذهبه ; لكن قيل : إن الواجب كفارة ظهار سواء حلف [ ص: 161 ] أو أوقع وهو المنقول عن أحمد . وقيل : بل إن حلف به أجزأه كفارة يمين وإن أوقعه لزمه كفارة ظهار وهذا أقوى وأقيس على أصل أحمد وغيره . فالحالف بالحرام تجزئه كفارة يمين كما تجزئ الحالف بالنذر إذا قال : إن فعلت كذا فعلي الحج أو فمالي صدقة . وكذلك إذا حلف بالعتق لزمته كفارة يمين عند أكثر السلف من الصحابة والتابعين وكذلك الحلف بالطلاق تجزئ أيضا فيه كفارة يمين كما أفتى من أفتى به من السلف والخلف والثابت عن الصحابة لا يخالف ذاك ; بل معناه يوافقه . وكل يمين يحلف بها المسلمون من أيمانهم ففيها كفارة يمين كما دل عليه الكتاب والسنة . وأما إذا كان مقصود الرجل أن يطلق أو يعتق أو أن يظاهر : فهذا يلزمه ما أوقعه سواء كان منجزا أو معلقا فلا تجزئه كفارة يمين . والله أعلم بالصواب .




                الخدمات العلمية