باب مواقيت الصلاة عن سعيد عن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم وعن أبي هريرة عن الأعرج مثله وعن أبي هريرة عن همام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبردوا عن الحر في الصلاة فذكره وليس في حديث أبي هريرة ذكر للظهر فيدخل في عمومه الإبراد بالجمعة أبي هريرة من حديث وللبخاري أنس إذا اشتد الحر أبرد بالصلاة ، وإذا اشتد البرد بكر بالصلاة يعني الجمعة وله من حديث كان النبي صلى الله عليه وسلم أبردوا بالظهر ؛ وفي علل أبي سعيد الخلال في حديث " من فوح جهنم " قال أبي سعيد : لا أعرف أحدا قال فوح غير أحمد وللشيخين من حديث الأعمش أبي ذر ، وفي طريق أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبرد أبرد ، وقال : انتظر انتظر ، وقال : شدة الحر من فيح جهنم ، فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة ، حتى رأينا فيء التلول أن ذلك كان في سفر وفيه حتى ساوى الظل التلول . للبخاري
- حديث إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة
- حديث اشتكت النار إلى ربها عز وجل
- حديث كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة
- حديث كان رسول الله يصلي العصر قبل أن تخرج الشمس من حجرتي طالعة
- حديث ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا كما حبسونا عن الصلاة
- حديث الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله
- حديث لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها
التالي
السابق
(باب مواقيت الصلاة) عن سعيد عن رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم . أبي هريرة
[ ص: 151 ] وعن عن الأعرج مثله وعن أبي هريرة عن همام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبردوا عن الحر في الصلاة فذكره ، فيه فوائد : أبي هريرة
(الأولى) فيه استحباب الإبراد بصلاة الظهر في شدة الحر وهو تأخيرها إلى أن يبرد الوقت وينكسر وهج الحر ، وبه قال الأئمة الأربعة وجمهور العلماء من السلف ، والخلف لكن أكثر المالكية على اختصاص الإبراد بالجماعة .
فأما المنفرد فتقديم الصلاة في حقه أفضل ، وكذا قال : إنه يختص الإبراد بالجماعة وحكى ابن حزم الظاهري ابن القاسم عن أن الظهر تصلى إذا فاء الفيء ذراعا في الشتاء ، والصيف للجماعة ، والمنفرد على ما كتب به مالك إلى عماله وقال عمر بن الخطاب ابن عبد الحكم وغيره معنى كتاب مساجد الجماعة فأما المنفرد فأول الوقت أولى به . عمر
قال وإلى هذا مال الفقهاء المالكيون من البغداديين ولم يلتفتوا إلى رواية ابن عبد البر ابن القاسم انتهى .
وقال : إنما الشافعي يستحب الإبراد في شدة الحر بشروط :
(الأول) أن يكون في بلد حار وقال وغيره يستحب في البلاد المعتدلة ، والباردة أيضا إذا اشتد الحر . الشيخ أبو محمد الجويني
(الثاني) أن تصلى في جماعة فلو صلى منفردا فتقديم الصلاة له أفضل .
(الثالث) أن يقصد الناس الجماعة من بعد فلو كانوا مجتمعين في موضع صلوا في أول الوقت .
(الرابع) أن لا يجدوا كنا يمشون تحته يقيهم الحر ، فإن اختل شرط من هذه الشروط فالتقديم أفضل وقال الشيخ موفق الدين بن قدامة في المغني : ظاهر كلام استحباب الإبراد بها على كل حال قال أحمد : وهذا على مذهب الأثرم أبي عبد الله سواء يستحب تعجيلها في الشتاء ، والإبراد بها في الحر ، وهو قول وأصحاب الرأي إسحاق لظاهر قوله : إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ، وهذا عام . وابن المنذر
وقال القاضي : إنما يستحب الإبراد بثلاث شرائط شدة الحر ، وأن يكون في البلدان الحارة ومساجد [ ص: 152 ] الجماعات فأما من صلاها في بيته أو في مسجد بفناء بيته فالأفضل تعجيلها وقال القاضي في الجامع لا فرق بين البلدان الحارة وغيرها ولا بين كون المسجد ينتابه الناس أو لا ، فإن كان يؤخرها في مسجده ولم يكن بهذه الصفة ، والأخذ بظاهر الخبر أولى انتهى . أحمد
وذهبت طائفة إلى عدم استحباب الإبراد مطلقا وحكاه عن ابن المنذر عمر وابن مسعود وحكاه وجابر عنهم وعن ابن بطال أبي بكر . وعلي
وحكاه عن ابن عبد البر ، والمشهور عنه موافقة الجمهور . الليث بن سعد
(الثانية) فاحتج من لم يعتبر في استحباب الإبراد سوى شدة الحر بهذا الحديث وغيره من الأحاديث ، فإنه ليس فيها سوى ذلك واستنبط رحمه الله هذه الشروط التي اعتبرها من الحديث وجعله تخصيصا للنص بالمعنى فحكى عنه أنه قال : إن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإبراد كان الشافعي بالمدينة لشدة حر الحجاز ولأنه لم يكن بالمدينة مسجد غير مسجده يومئذ وكان ينتاب من البعد فيتأذون بشدة الحر فأمرهم بالإبراد لما في الوقت من السعة .
حكاه واستدل ابن عبد البر في جامعه بحديث الترمذي الثابت في الصحيحين أبي ذر وفي رواية أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي : صلى الله عليه وسلم أبرد أبرد أو قال : انتظر انتظر وقال : شدة الحر من فيح جهنم ، فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة حتى رأينا فيء التلول أن ذلك كان في صفر على خلاف ما ذهب إليه للبخاري وقال : لو كان على ما ذهب إليه لم يكن للإبراد في ذلك الوقت معنى لاجتماعهم في السفر وكانوا لا يحتاجون إلى أن ينتابوا من البعد انتهى . الشافعي
والجواب عما قاله أن اجتماعهم في السفر قد يكون أكثر مشقة منه في الحضر ، فإنه يكون كل واحد منهم في خبائه أو مستقرا في ظل شجرة أو صخرة ويؤذيه حر الرمضاء إذا خرج من موضعه وليس هناك ظل يمشون فيه وأيضا فليس هناك خباء كبير يجمعهم فيحتاجون إلى أن يصلوا في الشمس . الترمذي
والظاهر أيضا أن أخبيتهم كانت قصيرة لا يتمكنون من القيام فيها ، وقد ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام كان يأمر مناديه في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر أن يقول ألا صلوا في الرحال
فلما كان وجود البرد الشديد أو المطر في السفر مرخصا في ترك الجماعة كذلك وجود الحر الشديد في السفر مقتض للإبراد بالظهر وقال [ ص: 153 ] ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا اشتد الحر فأبردوا بالظهر . ابن المنذر
وبخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم نقول ، وهو على العموم لا سبيل يستثنى من ذلك البعض انتهى .
وقد عرفت أن التخصيص إنما هو بالمعنى ، والصحيح في الأصول أنه يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه لكن قد يقال : لا يتعين أن تكون العلة ما أشار إليه من تأذيهم بالحر في طريقهم فقد تكون العلة ما يجدونه من حر الرمضاء في جباههم في حالة السجود ، وقد ثبت في الصحيح عن الشافعي قال : أنس ورواه كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظهائر جلسنا على ثيابنا اتقاء الحر في صحيحه بلفظ سجدنا بدل جلسنا ، وفي سنن أبو عوانة وغيره أبي داود وفي حديث كنت أصلي الظهر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآخذ قبضة من الحصى لتبرد في كفي أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدة الحر في الصحيح أنس . ، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه
فهذا هو المنقول عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولم نجد عنهم أنهم شكوا مشقة المسافة ولا بعد الطريق ويمكن أن تكون العلة في ذلك أنه وقت يفوح فيه حر جهنم ولهيبها ، وهو ظاهر قوله : فإن شدة الحر من فيح جهنم .
وكونها ساعة يفوح فيها لهب جهنم وحرها يقتضي الكف عن الصلاة كما في حديث ، فإذا اعتدل النهار فأقصر يعني عن الصلاة ، فإنها ساعة تسجر فيها جهنم . عمرو بن عبسة
(الثالثة) والذين لم يستحبوا الإبراد مطلقا أجابوا عن هذا الحديث بأن معناه صلوها في أول الوقت أخذا من برد النهار وهو أوله .
ويبطل هذا قوله : فإن شدة الحر من فيح جهنم ؛ لأن أول وقت الظهر أشد حرا من آخره ، وحديث المتقدم في الفائدة قبلها صريح في أن المراد بالإبراد التأخير إلى وقت البرد وقال أبي ذر : ومن تأول الحديث على برد النهار فقد خرج من جملة قول الأئمة وتمسك هؤلاء الذين لم يستحبوا الإبراد مطلقا بالأحاديث الدالة على فضيلة أول الوقت وبحديث الخطابي خباب . شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا
والجواب عن أحاديث أول الوقت أنها عامة فنقدم عليها هذا الحديث لخصوصه ، وعن حديث من أوجه : خباب
(أحدها) أنه إنما لم يجبهم لما سألوا وترك شكواهم ؛ لأنهم أرادوا أن يؤخروا الصلاة بعد الوقت الذي حده [ ص: 154 ] لهم وأمرهم بالإبراد إليه ويزيدوا على الوقت المرخص لهم فيه ومن المعلوم أن حر الرمضاء الذي يسجد لا يزول إلا بعد خروج الوقت كله ذكر هذا الجواب وقال : إنه الأشبه يعني أشبه الأجوبة . المازري
(ثانيها) أن هذا الحديث ونحوه من الأحاديث الدالة على التقديم منسوخة بأحاديث الإبراد ؛ لأنها رويت من حديث أبي هريرة ، والمغيرة بن شعبة ونحوهما ممن تأخر إسلامه بخلاف أحاديث التعجيل كحديث وحديث خباب ويدل لهذا ما رواه عبد الله بن مسعود ابن ماجه في صحيحه عن وابن حبان عن قيس بن أبي حازم رضي الله عنه قال : كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر بالهاجرة فقال لنا : أبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم ورواه المغيرة بن شعبة الطحطاوي بلفظ ، ثم قال : أبردوا وأعله بأنه روى عن أبو حاتم عن قيس بن أبي حازم من قوله وذكر عمر بن الخطاب الخلال عن الميموني أنهم ذاكروا أبا عبد الله يعني حديث أحمد بن حنبل فقال أسانيد جياد ، ثم قال المغيرة بن شعبة يقول : خباب شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يشكنا ، والمغيرة كما ترى روى القصتين جميعا قال : وفي رواية غير الميموني وكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم الإبراد وقال بعد ذكر أحاديث التعجيل ، والإبراد : فأما التي ذكر فيها التعجيل في غير الحر ، فإن الأمر عليها . الأثرم
وأما حديث خباب ، وما كان فيها من شدة الحر ، فإن ذلك عندنا قبل أن يأمر بالإبراد ، وقد جاء بيان ذلك في حديثين أحدهما حديث بيان عن وجابر قيس عن قال : المغيرة بن شعبة فتبين لنا أن الإبراد كان بعد التهجير ، والحديث الآخر أبين من هذا كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فقال لنا : أبردوا خالد بن دينار أبو خلدة قال سمعت يقول أنسا كان : النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان البرد بكر بالصلاة ، وإذا كان الحر أبرد بالصلاة
(ثالثها) أن الإبراد رخصة وتقديمه صلى الله عليه وسلم الصلاة كان أخذا بالأشق والأولى .
وبهذا قال بعض أصحابنا ونص عليه في الشافعي وصححه البويطي أبو علي السنجي لكن الصحيح من مذهبنا أن الإبراد هو الأفضل فلا يمشي عليه هذا الجواب (رابعها) أن معنى قوله : فلم يشكنا لم يحوجنا إلى شكوى بل رخص لنا في الإبراد حكاه للقاضي أبو الفرج المالكي عن ويرده أن في بعض طرقه فما أشكانا ، وقال : إذا زالت [ ص: 155 ] الشمس فصلوا روى هذه الزيادة ثعلب كما ذكره أبو بكر بن المنذر ابن القطان .
(خامسها) أن الإبراد أفضل وحديث فيه بيان جواز التعجيل دل عليه كلام خباب ، فإنه ذكر استحباب الإبراد ، ثم قال : وإنما لم نحمل هذا الأمر على الوجوب لحديث ابن حزم لكن في هذا نظر ؛ لأن ظاهر حديث خباب المنع من التأخير أو أنه مرجوح بالنسبة إلى التقديم والله أعلم . خباب
[ ص: 151 ] وعن عن الأعرج مثله وعن أبي هريرة عن همام قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبردوا عن الحر في الصلاة فذكره ، فيه فوائد : أبي هريرة
(الأولى) فيه استحباب الإبراد بصلاة الظهر في شدة الحر وهو تأخيرها إلى أن يبرد الوقت وينكسر وهج الحر ، وبه قال الأئمة الأربعة وجمهور العلماء من السلف ، والخلف لكن أكثر المالكية على اختصاص الإبراد بالجماعة .
فأما المنفرد فتقديم الصلاة في حقه أفضل ، وكذا قال : إنه يختص الإبراد بالجماعة وحكى ابن حزم الظاهري ابن القاسم عن أن الظهر تصلى إذا فاء الفيء ذراعا في الشتاء ، والصيف للجماعة ، والمنفرد على ما كتب به مالك إلى عماله وقال عمر بن الخطاب ابن عبد الحكم وغيره معنى كتاب مساجد الجماعة فأما المنفرد فأول الوقت أولى به . عمر
قال وإلى هذا مال الفقهاء المالكيون من البغداديين ولم يلتفتوا إلى رواية ابن عبد البر ابن القاسم انتهى .
وقال : إنما الشافعي يستحب الإبراد في شدة الحر بشروط :
(الأول) أن يكون في بلد حار وقال وغيره يستحب في البلاد المعتدلة ، والباردة أيضا إذا اشتد الحر . الشيخ أبو محمد الجويني
(الثاني) أن تصلى في جماعة فلو صلى منفردا فتقديم الصلاة له أفضل .
(الثالث) أن يقصد الناس الجماعة من بعد فلو كانوا مجتمعين في موضع صلوا في أول الوقت .
(الرابع) أن لا يجدوا كنا يمشون تحته يقيهم الحر ، فإن اختل شرط من هذه الشروط فالتقديم أفضل وقال الشيخ موفق الدين بن قدامة في المغني : ظاهر كلام استحباب الإبراد بها على كل حال قال أحمد : وهذا على مذهب الأثرم أبي عبد الله سواء يستحب تعجيلها في الشتاء ، والإبراد بها في الحر ، وهو قول وأصحاب الرأي إسحاق لظاهر قوله : إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ، وهذا عام . وابن المنذر
وقال القاضي : إنما يستحب الإبراد بثلاث شرائط شدة الحر ، وأن يكون في البلدان الحارة ومساجد [ ص: 152 ] الجماعات فأما من صلاها في بيته أو في مسجد بفناء بيته فالأفضل تعجيلها وقال القاضي في الجامع لا فرق بين البلدان الحارة وغيرها ولا بين كون المسجد ينتابه الناس أو لا ، فإن كان يؤخرها في مسجده ولم يكن بهذه الصفة ، والأخذ بظاهر الخبر أولى انتهى . أحمد
وذهبت طائفة إلى عدم استحباب الإبراد مطلقا وحكاه عن ابن المنذر عمر وابن مسعود وحكاه وجابر عنهم وعن ابن بطال أبي بكر . وعلي
وحكاه عن ابن عبد البر ، والمشهور عنه موافقة الجمهور . الليث بن سعد
(الثانية) فاحتج من لم يعتبر في استحباب الإبراد سوى شدة الحر بهذا الحديث وغيره من الأحاديث ، فإنه ليس فيها سوى ذلك واستنبط رحمه الله هذه الشروط التي اعتبرها من الحديث وجعله تخصيصا للنص بالمعنى فحكى عنه أنه قال : إن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإبراد كان الشافعي بالمدينة لشدة حر الحجاز ولأنه لم يكن بالمدينة مسجد غير مسجده يومئذ وكان ينتاب من البعد فيتأذون بشدة الحر فأمرهم بالإبراد لما في الوقت من السعة .
حكاه واستدل ابن عبد البر في جامعه بحديث الترمذي الثابت في الصحيحين أبي ذر وفي رواية أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي : صلى الله عليه وسلم أبرد أبرد أو قال : انتظر انتظر وقال : شدة الحر من فيح جهنم ، فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة حتى رأينا فيء التلول أن ذلك كان في صفر على خلاف ما ذهب إليه للبخاري وقال : لو كان على ما ذهب إليه لم يكن للإبراد في ذلك الوقت معنى لاجتماعهم في السفر وكانوا لا يحتاجون إلى أن ينتابوا من البعد انتهى . الشافعي
والجواب عما قاله أن اجتماعهم في السفر قد يكون أكثر مشقة منه في الحضر ، فإنه يكون كل واحد منهم في خبائه أو مستقرا في ظل شجرة أو صخرة ويؤذيه حر الرمضاء إذا خرج من موضعه وليس هناك ظل يمشون فيه وأيضا فليس هناك خباء كبير يجمعهم فيحتاجون إلى أن يصلوا في الشمس . الترمذي
والظاهر أيضا أن أخبيتهم كانت قصيرة لا يتمكنون من القيام فيها ، وقد ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام كان يأمر مناديه في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر أن يقول ألا صلوا في الرحال
فلما كان وجود البرد الشديد أو المطر في السفر مرخصا في ترك الجماعة كذلك وجود الحر الشديد في السفر مقتض للإبراد بالظهر وقال [ ص: 153 ] ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا اشتد الحر فأبردوا بالظهر . ابن المنذر
وبخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم نقول ، وهو على العموم لا سبيل يستثنى من ذلك البعض انتهى .
وقد عرفت أن التخصيص إنما هو بالمعنى ، والصحيح في الأصول أنه يجوز أن يستنبط من النص معنى يخصصه لكن قد يقال : لا يتعين أن تكون العلة ما أشار إليه من تأذيهم بالحر في طريقهم فقد تكون العلة ما يجدونه من حر الرمضاء في جباههم في حالة السجود ، وقد ثبت في الصحيح عن الشافعي قال : أنس ورواه كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظهائر جلسنا على ثيابنا اتقاء الحر في صحيحه بلفظ سجدنا بدل جلسنا ، وفي سنن أبو عوانة وغيره أبي داود وفي حديث كنت أصلي الظهر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآخذ قبضة من الحصى لتبرد في كفي أضعها لجبهتي أسجد عليها لشدة الحر في الصحيح أنس . ، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه
فهذا هو المنقول عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولم نجد عنهم أنهم شكوا مشقة المسافة ولا بعد الطريق ويمكن أن تكون العلة في ذلك أنه وقت يفوح فيه حر جهنم ولهيبها ، وهو ظاهر قوله : فإن شدة الحر من فيح جهنم .
وكونها ساعة يفوح فيها لهب جهنم وحرها يقتضي الكف عن الصلاة كما في حديث ، فإذا اعتدل النهار فأقصر يعني عن الصلاة ، فإنها ساعة تسجر فيها جهنم . عمرو بن عبسة
(الثالثة) والذين لم يستحبوا الإبراد مطلقا أجابوا عن هذا الحديث بأن معناه صلوها في أول الوقت أخذا من برد النهار وهو أوله .
ويبطل هذا قوله : فإن شدة الحر من فيح جهنم ؛ لأن أول وقت الظهر أشد حرا من آخره ، وحديث المتقدم في الفائدة قبلها صريح في أن المراد بالإبراد التأخير إلى وقت البرد وقال أبي ذر : ومن تأول الحديث على برد النهار فقد خرج من جملة قول الأئمة وتمسك هؤلاء الذين لم يستحبوا الإبراد مطلقا بالأحاديث الدالة على فضيلة أول الوقت وبحديث الخطابي خباب . شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا
والجواب عن أحاديث أول الوقت أنها عامة فنقدم عليها هذا الحديث لخصوصه ، وعن حديث من أوجه : خباب
(أحدها) أنه إنما لم يجبهم لما سألوا وترك شكواهم ؛ لأنهم أرادوا أن يؤخروا الصلاة بعد الوقت الذي حده [ ص: 154 ] لهم وأمرهم بالإبراد إليه ويزيدوا على الوقت المرخص لهم فيه ومن المعلوم أن حر الرمضاء الذي يسجد لا يزول إلا بعد خروج الوقت كله ذكر هذا الجواب وقال : إنه الأشبه يعني أشبه الأجوبة . المازري
(ثانيها) أن هذا الحديث ونحوه من الأحاديث الدالة على التقديم منسوخة بأحاديث الإبراد ؛ لأنها رويت من حديث أبي هريرة ، والمغيرة بن شعبة ونحوهما ممن تأخر إسلامه بخلاف أحاديث التعجيل كحديث وحديث خباب ويدل لهذا ما رواه عبد الله بن مسعود ابن ماجه في صحيحه عن وابن حبان عن قيس بن أبي حازم رضي الله عنه قال : كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر بالهاجرة فقال لنا : أبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم ورواه المغيرة بن شعبة الطحطاوي بلفظ ، ثم قال : أبردوا وأعله بأنه روى عن أبو حاتم عن قيس بن أبي حازم من قوله وذكر عمر بن الخطاب الخلال عن الميموني أنهم ذاكروا أبا عبد الله يعني حديث أحمد بن حنبل فقال أسانيد جياد ، ثم قال المغيرة بن شعبة يقول : خباب شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يشكنا ، والمغيرة كما ترى روى القصتين جميعا قال : وفي رواية غير الميموني وكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم الإبراد وقال بعد ذكر أحاديث التعجيل ، والإبراد : فأما التي ذكر فيها التعجيل في غير الحر ، فإن الأمر عليها . الأثرم
وأما حديث خباب ، وما كان فيها من شدة الحر ، فإن ذلك عندنا قبل أن يأمر بالإبراد ، وقد جاء بيان ذلك في حديثين أحدهما حديث بيان عن وجابر قيس عن قال : المغيرة بن شعبة فتبين لنا أن الإبراد كان بعد التهجير ، والحديث الآخر أبين من هذا كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم بالهاجرة فقال لنا : أبردوا خالد بن دينار أبو خلدة قال سمعت يقول أنسا كان : النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان البرد بكر بالصلاة ، وإذا كان الحر أبرد بالصلاة
(ثالثها) أن الإبراد رخصة وتقديمه صلى الله عليه وسلم الصلاة كان أخذا بالأشق والأولى .
وبهذا قال بعض أصحابنا ونص عليه في الشافعي وصححه البويطي أبو علي السنجي لكن الصحيح من مذهبنا أن الإبراد هو الأفضل فلا يمشي عليه هذا الجواب (رابعها) أن معنى قوله : فلم يشكنا لم يحوجنا إلى شكوى بل رخص لنا في الإبراد حكاه للقاضي أبو الفرج المالكي عن ويرده أن في بعض طرقه فما أشكانا ، وقال : إذا زالت [ ص: 155 ] الشمس فصلوا روى هذه الزيادة ثعلب كما ذكره أبو بكر بن المنذر ابن القطان .
(خامسها) أن الإبراد أفضل وحديث فيه بيان جواز التعجيل دل عليه كلام خباب ، فإنه ذكر استحباب الإبراد ، ثم قال : وإنما لم نحمل هذا الأمر على الوجوب لحديث ابن حزم لكن في هذا نظر ؛ لأن ظاهر حديث خباب المنع من التأخير أو أنه مرجوح بالنسبة إلى التقديم والله أعلم . خباب
(الرابعة) لفظ الصلاة عام بناء على أن المفرد المعرف بالألف ، واللام للعموم فيتناول سائر الصلوات ، وذلك يقتضي تأخير كل منها في شدة الحر ، وبه قال الجمهور في الظهر كما تقدم وقال به وحده في صلاة العصر قال تؤخر ربع القامة وقال به أشهب في رواية عنه في صلاة العشاء فرأى تأخيرها في الصيف وتعجيلها في الشتاء وعكس أحمد بن حنبل من المالكية فرأى تأخيرها في الشتاء لطول الليل وتعجيلها في الصيف لقصره ، وهو أظهر في المعنى ولا نعلم أحدا قال ابن حبيب وكأن ذلك لضيق وقتها ولا في الصبح وكأن ذلك ؛ لأن وقتها أبرد الأوقات مطلقا . بالإبراد في المغرب
فلا معنى للإبراد بها وجواب الجمهور عن ترك أن المراد بالصلاة هنا صلاة الظهر كما ورد بيانه في بعض طرق الحديث فقال : أبردوا بالظهر رواه القول بالإبراد في العصر ، والعشاء من حديث البخاري وتكون الألف ، واللام في الصلاة للعهد وأيضا فإن أول وقت العصر وأول وقت العشاء لا يكون في الغالب أشد حرا من آخر وقت الظهر ، فإذا فعلت الظهر في آخر وقتها ففعل العصر في أول وقتها ، والعشاء في أول وقتها وهما أقل حرا أولى بذلك وأيضا ، فإنه عليه الصلاة والسلام لم ينقل عنه في خبر الإبراد لا بالعصر ولا بالعشاء بل كان يأتي بكل منهما في أول وقتها صيفا وشتاء ، وأما تأخيره العشاء في بعض الأوقات فهو إما لاجتماع الناس كما ورد بيانه أو لما في تأخيرها من الفضل وليس ذلك لأجل الإبراد ولا فرق فيه بين الصيف ، والشتاء والله أعلم . أبي سعيد
فلا معنى للإبراد بها وجواب الجمهور عن ترك أن المراد بالصلاة هنا صلاة الظهر كما ورد بيانه في بعض طرق الحديث فقال : أبردوا بالظهر رواه القول بالإبراد في العصر ، والعشاء من حديث البخاري وتكون الألف ، واللام في الصلاة للعهد وأيضا فإن أول وقت العصر وأول وقت العشاء لا يكون في الغالب أشد حرا من آخر وقت الظهر ، فإذا فعلت الظهر في آخر وقتها ففعل العصر في أول وقتها ، والعشاء في أول وقتها وهما أقل حرا أولى بذلك وأيضا ، فإنه عليه الصلاة والسلام لم ينقل عنه في خبر الإبراد لا بالعصر ولا بالعشاء بل كان يأتي بكل منهما في أول وقتها صيفا وشتاء ، وأما تأخيره العشاء في بعض الأوقات فهو إما لاجتماع الناس كما ورد بيانه أو لما في تأخيرها من الفضل وليس ذلك لأجل الإبراد ولا فرق فيه بين الصيف ، والشتاء والله أعلم . أبي سعيد
(الخامسة) استدل به على استحباب لدخولها في مسمى الصلاة وأيضا ، فإنها في وقت الظهر وقائمة مقامها ، والعلة المقتضية للإبراد [ ص: 156 ] بالظهر ، وهي شدة الحر موجودة في وقتها ، وأيضا فقد روى الإبراد بصلاة الجمعة في صحيحه عن البخاري أبي خلدة ، وهو خالد بن دينار قال سمعت يقول : أنس بن مالك يعني الجمعة ، وهذا أحد الوجهين لأصحابنا . كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد الحر أبرد بالصلاة ، وإذا اشتد البرد بكر بالصلاة
والوجه الثاني ، وهو الأصح أنه لا يبرد بها وبه قال سفيان الثوري ومالك . وأحمد
والجواب عن قوله : فأبردوا بالصلاة أن المراد بها الظهر كما تقدم وعن وجود العلة المقتضية للإبراد ، وهي شدة الحر أنه ليس النظر لمجرد شدة الحر بل لوجود المشقة في شدة الحر ، والمشقة في الجمعة ليست في التعجيل بل في التأخير ، فإن الناس ندبوا للتبكير لها ، وإذا حضروا كانت راحتهم في إيقاع الصلاة لينصرف كل واحد منهم إلى منزله فيستريح من شدة الحر لا في التأخير ، فإنهم يتضررون بطول الاجتماع في شدة الحر فانعكس الحكم ، وعن الحديث الذي أوردناه من صحيح أنه ليس من نقل الصحابي عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو من فهم الراوي ؛ ولهذا قال يعني الجمعة ، ولو كان من تتمة كلام البخاري لم يحتج لقوله يعني وإذا لم يكن في المسألة نص وجب مراعاة المعنى وملاحظته ، والمعنى مقتض للتعجيل كما تقدم . أنس
فهذا هو الجاري على قواعد رحمه الله في كونه ليست العلة عنده في الإبراد شدة الحر بل المشقة في شدة الحر ؛ ولهذا شرط في الإبراد أو في شدة الحر كون الصلاة في جماعة وكون المصلين يقصدونها من بعد ولا يجدون كنا يمشون تحته كما تقدم والله أعلم . الشافعي
(السادسة) قوله : فأبردوا عن الصلاة يحتمل عن هنا أوجها : أحدها أن يكون بمعنى الباء كما أن الباء تكون بمعنى عن فمن الأول [ ص: 157 ] فيما قيل قوله تعالى وما ينطق عن الهوى أي بالهوى ومن الثاني قوله تعالى فاسأل به خبيرا وتسمى هذه باء المجاوزة . ثانيها أن تكون زائدة أي أبردوا الصلاة يقال : أبرد الرجل كذا إذا فعله في برد النهار ذكره وغيره ، وفيه نظر ؛ لأن من جعل عن تأتي زائدة قيد ذلك بأن تزاد للتعويض من أخرى محذوفة ومثلوه بقول الشاعر : القاضي عياض
(ثالثها) تضمين أبردوا معنى أخروا وحذف مفعوله تقديره أخروا أنفسكم عن الصلاة قال : معنى قوله أبردوا أخروا إلى زمان البرد ولا ينتظم ذلك مع قوله عن ، فإن صورته أخروا عن الصلاة إلا بإضمار وتقديره أخروا أنفسكم عن الصلاة وهو قريب من قول القاضي أبو بكر بن العربي : معنى قوله أبردوا عن الصلاة تأخروا عنها مبردين (قلت) أي داخلين في وقت البرد انتهى . الخطابي
وهو مثل كلام ألا إنه ضمن أبردوا معنى فعل قاصر لا يحتاج إلى تقدير مفعول وهو تأخروا . ابن العربي
(السابعة) وقوله في الرواية الثانية أبردوا عن الحر أي أخروا الصلاة عن الحر إلى البرد وقوله في الصلاة يحتمل أن تقديره ذلك في شأن الصلاة ويحتمل أن يكون المفعول المحذوف فعلكم أي أخروا عن الحر فعلكم في الصلاة ويحتمل أن يكون في بمعنى الباء كما في قوله : بصيرون في طعن الأباهر ، والكلى .
والوجه الثاني ، وهو الأصح أنه لا يبرد بها وبه قال سفيان الثوري ومالك . وأحمد
والجواب عن قوله : فأبردوا بالصلاة أن المراد بها الظهر كما تقدم وعن وجود العلة المقتضية للإبراد ، وهي شدة الحر أنه ليس النظر لمجرد شدة الحر بل لوجود المشقة في شدة الحر ، والمشقة في الجمعة ليست في التعجيل بل في التأخير ، فإن الناس ندبوا للتبكير لها ، وإذا حضروا كانت راحتهم في إيقاع الصلاة لينصرف كل واحد منهم إلى منزله فيستريح من شدة الحر لا في التأخير ، فإنهم يتضررون بطول الاجتماع في شدة الحر فانعكس الحكم ، وعن الحديث الذي أوردناه من صحيح أنه ليس من نقل الصحابي عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو من فهم الراوي ؛ ولهذا قال يعني الجمعة ، ولو كان من تتمة كلام البخاري لم يحتج لقوله يعني وإذا لم يكن في المسألة نص وجب مراعاة المعنى وملاحظته ، والمعنى مقتض للتعجيل كما تقدم . أنس
فهذا هو الجاري على قواعد رحمه الله في كونه ليست العلة عنده في الإبراد شدة الحر بل المشقة في شدة الحر ؛ ولهذا شرط في الإبراد أو في شدة الحر كون الصلاة في جماعة وكون المصلين يقصدونها من بعد ولا يجدون كنا يمشون تحته كما تقدم والله أعلم . الشافعي
(السادسة) قوله : فأبردوا عن الصلاة يحتمل عن هنا أوجها : أحدها أن يكون بمعنى الباء كما أن الباء تكون بمعنى عن فمن الأول [ ص: 157 ] فيما قيل قوله تعالى وما ينطق عن الهوى أي بالهوى ومن الثاني قوله تعالى فاسأل به خبيرا وتسمى هذه باء المجاوزة . ثانيها أن تكون زائدة أي أبردوا الصلاة يقال : أبرد الرجل كذا إذا فعله في برد النهار ذكره وغيره ، وفيه نظر ؛ لأن من جعل عن تأتي زائدة قيد ذلك بأن تزاد للتعويض من أخرى محذوفة ومثلوه بقول الشاعر : القاضي عياض
أتجــــزع إن نفس أتاهـــا حمامهـــا فــهلا التــي عـن بيـن جـنبيك تـدفع
قال أبو الفتح أراد تدفع عن التي بين جنبيك فحذفت عن من أول الموصول وزيدت بعده .(ثالثها) تضمين أبردوا معنى أخروا وحذف مفعوله تقديره أخروا أنفسكم عن الصلاة قال : معنى قوله أبردوا أخروا إلى زمان البرد ولا ينتظم ذلك مع قوله عن ، فإن صورته أخروا عن الصلاة إلا بإضمار وتقديره أخروا أنفسكم عن الصلاة وهو قريب من قول القاضي أبو بكر بن العربي : معنى قوله أبردوا عن الصلاة تأخروا عنها مبردين (قلت) أي داخلين في وقت البرد انتهى . الخطابي
وهو مثل كلام ألا إنه ضمن أبردوا معنى فعل قاصر لا يحتاج إلى تقدير مفعول وهو تأخروا . ابن العربي
(السابعة) وقوله في الرواية الثانية أبردوا عن الحر أي أخروا الصلاة عن الحر إلى البرد وقوله في الصلاة يحتمل أن تقديره ذلك في شأن الصلاة ويحتمل أن يكون المفعول المحذوف فعلكم أي أخروا عن الحر فعلكم في الصلاة ويحتمل أن يكون في بمعنى الباء كما في قوله : بصيرون في طعن الأباهر ، والكلى .
(الثامنة) فيح جهنم وفوحها بالياء ، والواو مع فتح الأول فيهما وبالحاء المهملة سطوع حرها وانتشاره يقال فاحت القدر تفيح وتفوح إذا غلت ، وجهنم من أسماء النار ، وهو غير مصروف للعلمية ، والتأنيث ، واختلف في هذه اللفظة هل هي عربية سميت بذلك لبعد قعرها ومنه ركية جهنام أي بعيدة القعر أو فارسية معربة ، وقيل : هي تعريب كهنام بالعبراني واختلف العلماء في قوله : فإن فحمله الجمهور على الحقيقة وقالوا : إن وهج الحر من فيح جهنم ويؤيده حديث شدة الحر من فيح جهنم هل هو حقيقة أو مجاز الآتي [ ص: 158 ] اشتكت النار إلى ربها عز وجل . أبي هريرة
وقيل : إنه كلام خرج مخرج التشبيه أي كأنه نار جهنم في الحر فاجتنبوا ضرره قال : وكلا الوجهين ظاهر وحمله على الحقيقة أولى ، وقال القاضي عياض : القول الأول يعضده عموم الخطاب وظاهر الكتاب ، وهو أولى بالصواب انتهى . ابن عبد البر
وعلى تقدير حمله على الحقيقة ففيه أن ، وهذا إجماع ممن يعتد به إلا أن النار مخلوقة الآن موجودة المعتزلة قالوا : إنها إنما تخلق يوم القيامة ، والأدلة السمعية متوافرة على خلاف ذلك
وقيل : إنه كلام خرج مخرج التشبيه أي كأنه نار جهنم في الحر فاجتنبوا ضرره قال : وكلا الوجهين ظاهر وحمله على الحقيقة أولى ، وقال القاضي عياض : القول الأول يعضده عموم الخطاب وظاهر الكتاب ، وهو أولى بالصواب انتهى . ابن عبد البر
وعلى تقدير حمله على الحقيقة ففيه أن ، وهذا إجماع ممن يعتد به إلا أن النار مخلوقة الآن موجودة المعتزلة قالوا : إنها إنما تخلق يوم القيامة ، والأدلة السمعية متوافرة على خلاف ذلك
(التاسعة) هذا المؤذن المبهم في حديث هو أبي ذر كما ورد التصريح به في رواية بلال في جامعه الترمذي وأبي عوانة في صحيحه (العاشرة) الفيء بفتح الفاء مهموز الظل الذي يكون بعلم الزوال سمي بذلك لرجوعه من جهة المشرق إلى المغرب وأصل الفيء الرجوع ، والتلول بضم التاء المثناة من فوق جمع تل بفتحها ، وهي الروابي المرتفعة وقال : كل شيء بارز على وجه الأرض من حجر أو نبات أو غيره انتهى . ابن بطال
وهو خلاف المعروف .
(الحادية عشر) ظاهر قوله في حديث عند الشيخين أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أبرد . أن الأمر بالإبراد راجع إلى الصلاة فقط ؛ لأن الأذان قد وقع وانقضى وفي روايتين أخريين أبي ذر فأراد المؤذن أن يؤذن الظهر فقال أبرد ، وذلك يقتضي أن الأمر بالإبراد راجع إلى الأذان أيضا ، وأنه منعه من الأذان في ذلك الوقت وقال للبخاري بعد ذكر الرواية الأولى : وفي هذا كالدلالة على أن الأمر بالإبراد كان بعد التأذين ، وأن الأذان كان في أول الوقت . البيهقي
وقال شيخنا الإمام جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي في المهمات كلام يفهم أنه لا يستحب الرافعي ، وقد نقله الإبراد بالأذان ابن الرفعة [ ص: 159 ] في المطلب عن بعضهم (قلت) : وينبغي بناء هذا على أن الأذان مشروع للوقت أو للصلاة ، فإن قلنا للوقت أذن ، وإن قلنا للصلاة فلا ، وقد بنى أصحابنا على هذا الخلاف في الأذان للفائتة فالجديد ورجحه أنه لا يؤذن لها ، والقديم ورجحه الرافعي النووي أنه يؤذن لها ، ونص الإملاء إن رجا اجتماع طائفة يصلون معه أذن وإلا فلا قال أصحابنا : الأذان في الجديد حق الوقت وفي القديم حق الفريضة ، وفي الإملاء حق الجماعة ويمكن الجمع بين الروايتين إما بحمل قوله في الرواية الأولى أذن على معنى أراد الأذان كما فسرته الرواية الثانية ، وإما بحمل الأذان في الرواية الثانية على الإقامة فقوله : فأراد أن يؤذن أي يقيم ويدل لذلك قوله في رواية : فأراد أن يقيم فقال : أبرد وقال بعد قوله حتى رأينا فيء التلول ، ثم أقام فصلى . الترمذي
وكذا حكى ابن الرفعة في المطلب عن بعضهم أنه حمل تأخير الأذان هنا على الإقامة لكن في رواية أبي عوانة في صحيحه بعد قوله : حتى رأينا فيء التلول ، ثم أمره فأذن وأقام ، وهي دالة على أنه لم يكن أذن أولا أو لم يعتد بأذانه والله أعلم .
وهو خلاف المعروف .
(الحادية عشر) ظاهر قوله في حديث عند الشيخين أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أبرد . أن الأمر بالإبراد راجع إلى الصلاة فقط ؛ لأن الأذان قد وقع وانقضى وفي روايتين أخريين أبي ذر فأراد المؤذن أن يؤذن الظهر فقال أبرد ، وذلك يقتضي أن الأمر بالإبراد راجع إلى الأذان أيضا ، وأنه منعه من الأذان في ذلك الوقت وقال للبخاري بعد ذكر الرواية الأولى : وفي هذا كالدلالة على أن الأمر بالإبراد كان بعد التأذين ، وأن الأذان كان في أول الوقت . البيهقي
وقال شيخنا الإمام جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي في المهمات كلام يفهم أنه لا يستحب الرافعي ، وقد نقله الإبراد بالأذان ابن الرفعة [ ص: 159 ] في المطلب عن بعضهم (قلت) : وينبغي بناء هذا على أن الأذان مشروع للوقت أو للصلاة ، فإن قلنا للوقت أذن ، وإن قلنا للصلاة فلا ، وقد بنى أصحابنا على هذا الخلاف في الأذان للفائتة فالجديد ورجحه أنه لا يؤذن لها ، والقديم ورجحه الرافعي النووي أنه يؤذن لها ، ونص الإملاء إن رجا اجتماع طائفة يصلون معه أذن وإلا فلا قال أصحابنا : الأذان في الجديد حق الوقت وفي القديم حق الفريضة ، وفي الإملاء حق الجماعة ويمكن الجمع بين الروايتين إما بحمل قوله في الرواية الأولى أذن على معنى أراد الأذان كما فسرته الرواية الثانية ، وإما بحمل الأذان في الرواية الثانية على الإقامة فقوله : فأراد أن يؤذن أي يقيم ويدل لذلك قوله في رواية : فأراد أن يقيم فقال : أبرد وقال بعد قوله حتى رأينا فيء التلول ، ثم أقام فصلى . الترمذي
وكذا حكى ابن الرفعة في المطلب عن بعضهم أنه حمل تأخير الأذان هنا على الإقامة لكن في رواية أبي عوانة في صحيحه بعد قوله : حتى رأينا فيء التلول ، ثم أمره فأذن وأقام ، وهي دالة على أنه لم يكن أذن أولا أو لم يعتد بأذانه والله أعلم .
(الثانية عشر) استدل بقوله في روايته : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر على مشروعية البخاري ، وهو مذهب الأذان للمسافر أبي حنيفة وسفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق ، والجمهور ، وهو رواية وأبي ثور عن أشهب وقال في رواية مالك ابن القاسم : لا أذان على مسافر إنما الأذان على من يجتمع إليه لتأذينه وروي عن طائفة من التابعين أنه يقيم المسافر ولا يؤذن منهم مكحول والحسن البصري وروي عن والقاسم بن محمد علي وعروة والثوري إن شاء أذن ، وإن شاء أقام وفي الموطإ عن والنخعي أنه كان لا يزيد على الإقامة في السفر إلا في الصبح ، فإنه كان يؤذن لها ويقيم . ابن عمر
وقال : إذا كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة وقال عطاء إذا نسي الإقامة في السفر أعاد قال مجاهد ، والحجة لهما ابن بطال قالا : وأمره على الوجوب ، والعلماء على خلاف قول قوله عليه الصلاة والسلام للرجلين : أذنا وأقيما عطاء ؛ لأن الإيجاب [ ص: 160 ] يحتاج إلى دليل لا منازع فيه وجمهور العلماء على أنه غير واجب في الحضر فالسفر الذي قصرت فيه الصلاة عن هيئتها أولى بذلك انتهى . ومجاهد
وقال : إذا كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة وقال عطاء إذا نسي الإقامة في السفر أعاد قال مجاهد ، والحجة لهما ابن بطال قالا : وأمره على الوجوب ، والعلماء على خلاف قول قوله عليه الصلاة والسلام للرجلين : أذنا وأقيما عطاء ؛ لأن الإيجاب [ ص: 160 ] يحتاج إلى دليل لا منازع فيه وجمهور العلماء على أنه غير واجب في الحضر فالسفر الذي قصرت فيه الصلاة عن هيئتها أولى بذلك انتهى . ومجاهد
(الثالثة عشر) قوله : حتى رأينا فيء التلول يدل على زيادة التأخير بالإبراد إذ التلول لا يظهر ظلها إلا بعد تمكن الفيء وطوله بخلاف الأشياء المنبسطة ، فإن ظهور ظلها سريع ، وقد ذكر أصحابنا الشافعية أن الإبراد بالظهر يكون بقدر ما يبقى للحيطان ظل يمشي فيه الساعي للجماعة قالوا : ولا ينبغي أن يؤخر عن النصف الأول من الوقت قال رحمه الله في الأم : ولا يبلغ بتأخيرها آخر وقتها فيصليهما جميعا معا ولكن بقدر ما يعلم أنه يصليها متمهلا فينصرف منها قبل آخر وقتها ليكون بين انصرافه منها وبين آخر وقتها فصل . الشافعي
وكذا قال الحنابلة وقدر المالكية التأخير بزيادة على ربع القامة إلى نصف الوقت واختلفوا هل ينتهي بالإبراد إلى آخر الوقت أم لا فمنعه وأجازه أشهب ابن عبد الحكم ويدل له قوله في رواية حتى ساوى الظل التلول وذكر البخاري أن هذا الحديث حجة أبو بكر بن العربي لأشهب ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام إنما أخر إلى أن كان للتلول ، والجدران فيء يستظل به ، وذلك في وسط الوقت ، وفيه نظر ؛ لأن في التلول لا يستظل به إلا في آخر الوقت وخلطه الجدران مع هذا لا معنى له ، فإنهم كانوا في السفر ولا جدران هناك .
وروى في مصنفه عن ابن أبي شيبة عمارة قال : كانوا يصلون الظهر والظل قامة وعن إذا زال الفيء عن طول الشيء فذاك حين تصلى الظهر وعن الحسن البصري إبراهيم النخعي تصلى الظهر إذا كان الظل ثلاثة أذرع وعن ومحمد بن سيرين أبي مجلز صليت مع الظهر فقست ظلي فوجدته ثلاثة أذرع . ابن عمر
وكذا قال الحنابلة وقدر المالكية التأخير بزيادة على ربع القامة إلى نصف الوقت واختلفوا هل ينتهي بالإبراد إلى آخر الوقت أم لا فمنعه وأجازه أشهب ابن عبد الحكم ويدل له قوله في رواية حتى ساوى الظل التلول وذكر البخاري أن هذا الحديث حجة أبو بكر بن العربي لأشهب ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام إنما أخر إلى أن كان للتلول ، والجدران فيء يستظل به ، وذلك في وسط الوقت ، وفيه نظر ؛ لأن في التلول لا يستظل به إلا في آخر الوقت وخلطه الجدران مع هذا لا معنى له ، فإنهم كانوا في السفر ولا جدران هناك .
وروى في مصنفه عن ابن أبي شيبة عمارة قال : كانوا يصلون الظهر والظل قامة وعن إذا زال الفيء عن طول الشيء فذاك حين تصلى الظهر وعن الحسن البصري إبراهيم النخعي تصلى الظهر إذا كان الظل ثلاثة أذرع وعن ومحمد بن سيرين أبي مجلز صليت مع الظهر فقست ظلي فوجدته ثلاثة أذرع . ابن عمر