الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              3328 [ ص: 83 ] 11 - باب: قصة زمزم

                                                                                                                                                                                                                              3522 - حدثنا زيد- هو ابن أخزم- قال أبو قتيبة سلم بن قتيبة: حدثني مثنى بن سعيد القصير قال: حدثني أبو جمرة قال: قال لنا ابن عباس: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟ قال: قلنا: بلى. قال: قال أبو ذر: كنت رجلا من غفار، فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: انطلق إلى هذا الرجل كلمه وأتني بخبره. فانطلق فلقيه، ثم رجع فقلت: ما عندك؟ فقال: والله لقد رأيت رجلا يأمر بالخير وينهى عن الشر. فقلت له: لم تشفني من الخبر. فأخذت جرابا وعصا، ثم أقبلت إلى مكة فجعلت لا أعرفه، وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم وأكون في المسجد. قال: فمر بي علي فقال: كأن الرجل غريب. قال: قلت: نعم. قال: فانطلق إلى المنزل. قال: فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره، فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء. قال: فمر بي علي فقال: أما نال للرجل يعرف منزله بعد؟ قال: قلت: لا. قال: انطلق معي. قال: فقال: ما أمرك؟ وما أقدمك هذه البلدة؟ قال: قلت له: إن كتمت علي أخبرتك. قال: فإني أفعل. قال: قلت له: بلغنا أنه قد خرج ها هنا رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه، فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه. فقال له: أما إنك قد رشدت، هذا وجهي إليه، فاتبعني، ادخل حيث أدخل، فإني إن رأيت أحدا أخافه عليك، قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي، وامض أنت، فمضى ومضيت معه، حتى دخل ودخلت معه على النبي- صلى الله عليه وسلم- فقلت له: اعرض علي الإسلام. فعرضه فأسلمت مكاني، فقال لي: " يا أبا ذر اكتم هذا الأمر، وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل". فقلت: والذي بعثك بالحق لأصرخن بها بين أظهرهم. فجاء إلى المسجد، وقريش فيه فقال: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فقاموا فضربت لأموت فأدركني العباس، فأكب علي ثم أقبل عليهم، فقال: ويلكم، تقتلون رجلا من غفار ومتجركم

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 84 ] وممركم على غفار! فأقلعوا عني، فلما أن أصبحت الغد رجعت فقلت مثل ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فصنع مثل ما صنع بالأمس، وأدركني العباس فأكب علي، وقال مثل مقالته بالأمس. قال: فكان هذا أول إسلام أبي ذر رحمه الله.
                                                                                                                                                                                                                              [3522، 3861- مسلم: 2474- فتح: 6 \ 549]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي جمرة بالجيم، عن ابن عباس- رضي الله عنه- في إسلام أبي ذر- رضي الله عنه- وأنه كان يشرب من ماء زمزم ويكون في المسجد إلى أن أسلم، وقال له - عليه السلام-: "اكتم هذا الأمر" فلم يكتمه وأعلن به فضرب ثم أعلن به ثالث يوم فضرب.

                                                                                                                                                                                                                              وسيأتي في المغازي، وذكر هناك أنه لما أتى ليسلم أخذ- صلى الله عليه وسلم- جبهته بأصبعه، وقال: "غفار يهدي الله من يشاء"، كأنه استعظم أن يكون بها مثل أبي ذر.

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي: والصحيح ما ها هنا!

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فمر بي علي- رضي الله عنه- فقال: ما آن للرجل أن يعرف منزله بعد؟

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 85 ] قال: قلت: لا) أي: ما حان، ومثله حديث الحسن: ما يأني أن يتفقهوا، أي: لم يأن لهم، ومنه قولهم: نولك أن تفعل كذا أي: حقك، وفي بعض النسخ (آنى) يقال: أنى يأني، وآن يئين. أي: حان. وفيه مقام العباس وجلالته عندهم حيث أكب عليه ونزعه منهم، وما أحسن قوله: (ويلكم تقتلون رجلا من غفار، ومتجركم وممركم على غفار).

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فقال: يا معشر) كذا في الأصول، وفي نسخة (يا معاشر).

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (قوموا إلى هذا الصابئ) أي: الذي خرج من دين إلى دين، وبذلك سمي الصابئون: لأنهم خرجوا من النصرانية إلى دين ابتدعوه،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 86 ] ولذلك كان كفار قريش يقولون لرسول الله:- صلى الله عليه وسلم- صابئ; لأنه خرج من دينهم إلى الإسلام، ومنه صبأت النجوم خرجت من مطالعها، وصبأ نابه: خرج.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (فأقلعوا عني) أي: كفوا، يقال: أقلع عن الأمر، أي: كف، ومنه أقلعت عنه الحمى. قال قتادة: الصابئون يعبدون الملائكة، ويصلون القبلة ويقرءون الزبور.

                                                                                                                                                                                                                              واعلم أن في حديث ابن عباس في الباب: وحديث (عبد الله) بن الصامت في مسلم تباعدا واختلافا إذا فيه: أن أبا ذر لقي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أول ما لقيه ليلا وهو يطوف بالكعبة فأسلم إذ ذاك بعد أن أقام ثلاثين يوما وليلة ولا زاد له، إنما اغتدى بماء زمزم، وحديث ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه كان له قربة وزاد وإن عليا ضافه ثلاث ليال ثم، أدخله على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في بيته فأسلم ثم خرج، فصرخ بكلمتي الشهادة، والله أعلم أي الروايتين هو الواقع، نبه على ذلك القرطبي.

                                                                                                                                                                                                                              قال: ويحتمل أن أبا ذر لما لقي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حول الكعبة فأسلم لم يعلم به إذ ذاك علي- رضي الله عنه- إذ لم يكن معهم، ثم دخل مع علي فجدد، فظنه أول إسلامه، وفيه بعد.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية