الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                معلومات الكتاب

                تضمين البنك الإسلامي للودائع الاستثمارية (دراسة فقهية مقارنة)

                الأستاذ / محمد عبد الأول بن محمد مصلح الدين

                الـمقـدمـة

                الحمد لله رب العالمين، القائل في محكم تنزيله: ( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) (التوبة:122)، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، المبعوث بالرحمة للعالمين، القائل: ( من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ) [1] وعلى آله وصحبه ومن سار على دربهم إلى يوم الساعة، أما بعد،

                فإن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، وهي قادرة على مواجهة الصعوبات العامة، وأن تعطي لكل ما يرد من نوازل وقضايا مستجدة ما يناسبها من حلول وأحكام مهما تطورت.

                ومن المقرر أن البنوك الإسلامية تقوم بالوساطة المالية، باستقطاب أموال المدخرين وتمويلها في مشروعات استثمارية وفق صيغ التمويل الإسلامية، ومن هنا فهي تتعرض للعديد من المخاطر والمزالق الناتجة عن الاستثمار في المعاملات، التي قد تؤدي إلى خسارة باهظة. [ ص: 5 ]

                ومن هنا فهل يمكن تضمين البنك الإسلامي لأموال المستثمرين لبث الثقة في نفوس المودعين المتعاملين معه على غرار البنك الربوي؟ وما مدى صحة ذلك في نظر الشريعة الإسلامية؟ وهل يصح اشتراط الضمان على البنك الإسلامي؟ وما حكم ضمان المصرف الإسلامي لأموال الاستثمار في كل الأحوال؟ فإن لم يصح هذا وذاك فهل يوجد من بدائل؟

                أسئلة عديدة، لا بد من إجابات واضحة حيالها، ذلك أنه من الناحية المبدئية أن البنك الإسلامي إذا كان مضاربا أو شريكا فإنه يتحمل الخسائر، التي تقـع إلا إذا كان متعـديا، أو مقـصرا، أو مخالفا للشروط في العقد. لكن ثمة آراء نلاحظها في كتابات مجموعة من الباحثين المعاصرين تنادي بتضمين البنك الإسلامي لأموال المضاربة، ومن ثم فدراسة هذه المسألة أمر في غاية الأهمية؛ وذلك لأن مسألة ضمان أو حماية الودائع المصرفية قد أصبحت من القضايا المهمة في الوقت الحاضر؛ نظرا لكونها أداة فعالة في استقرار النظم المصرفية والمالية.

                ومن هنا، جاء اختيار هذا الموضوع للدراسة لمعالجة هذه المشكلة ساعيا إلى طرح البدائل، التي يمكن بها مواجهة مخاطر الاستثمار.

                ولا شك أن هذا الموضوع المعنون بـ "تضمين البنك الإسلامي للودائع الاستثمارية وبدائله" ينطوي على وجهين: فقهي واقتصادي، ومن ثم فلابد من دراسة هذين البعدين حـتى تأتي الـدراسـة متـكامـلـة؛ لأن قضية ضمـان البنك الإسـلامي أو عدم ضمانه ليست هي قضية فقهية وقانونية فحسب، [ ص: 6 ] بل إنها قضية اقتصادية بالدرجة الأولى [2] . ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة بـحـيـث أن هـذا المـوضوع يعد من المواضيع المعاصرة، ومن المسائل المستجدة في الساحة الاقتصادية الإسلامية.

                ومن أجل هذا كله اخترت هذا الموضوع؛ لما له من أهمية بالغة باعتبار أن النظام الاقتصادي الإسلامي صالح لكل زمان ومكان، وهو المنقذ من الآفات والكوارث التي نتجت عن شيوع استخدام نظام الفائدة الربوي.

                - إشكالية البحث:

                إن العلاقة بين البنوك الإسـلاميـة وبين أصحـاب الـودائـع الاسـتـثـمارية، تم تكييفها على أساس عقد المضاربة، المودع فيها رب المال، والبنك الإسلامي هو العامل، والأصل في المضاربة أن المضارب لا يضمن ما يصيب رأس المال من تلف، وما يقع عليه من خسارة، إلا إذا تعدى، أو قصر، أو خالف الشروط المتفق عليها مع رب المال، وذلك لأن الفقهاء اعتبروا العامل أمينا، والأمين لا يضمن إلا في الحالة السابقة وبالتالي فتبرز الإشكالية الكبرى في حالة تضمين المؤسسة المالية الإسلامية لأموال الاستثمار.

                - أهداف البحث:

                تتجلى أهداف البحث في النقاط الآتية: [ ص: 7 ]

                أولا: مدى مشروعية ضمان البنك الإسلامي لأموال الاستثمار؟ وما آراء الفقهاء فيها؟ وما هو القول الراجح ودواعيه؟

                ثانيا: بيان الحالات، التي يكون فيها البنك الإسلامي ضامنا لأموال الاستثمار.

                ثالثا: عرض الحلول الشرعية بذكر البدائل المشروعة.

                - الدراسات السابقة حول الموضوع:

                الدراسات السابقة في البحث تنقسم إلى قسمين:

                1- قسم يتعلق بالمصارف الإسلامية والودائع البنكية عموما: ففي هذا القسم هناك العديد من الكتب والأبحاث للمعاصرين.

                2- قسم ثان يتعلق بتضمين الودائع الاستثمارية: فالدراسات في هذا المجال قليلة.

                وفيما يلي بيان أبرز الدراسات السابقة، التي تتصل بموضوع الدراسة.

                - عدد من البحوث العلمية مقدمة إلى الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الدولي حول: "ضمان المصرف الإسلامي للأضرار الناشئة عن سوء استثمار أموال العملاء".

                - بحث الأستاذ الدكتور نزيه حماد، بعنوان: "مدى صحة تضمين يد الأمانة بالشرط في الفقه الإسلامي"، حيث تناول فيه: مفهوم يد الأمانة وحكمها، ثم ذكر مفهوم يد الأمانة بالشرط، بإضافة ذلك أسباب انقلاب يد الأمانة إلى ضمان. [ ص: 8 ]

                - بـحـث الأستـاذ الـدكتـور مـنـذر قـحـف، بعـنوان: "ضـمان الودائع في المصارف الإسلامية في الأردن"، حيث قسمـه إلى أربعة أقسـام: فـتـكلم في القسـم الأول، عن الـودائـع في المـصارف الإسـلامية وأنواع المخاطر، التي تتعرض لها. وتكلم في القسم الثاني، عن ضمان الودائع في المصارف الإسلامية من الوجهة الشرعية. ثم ختم بحثه بعرض عدة مقترحات وتوصيات.

                - بحث الدكتور عثمان بابكر أحمد، بعنوان: "نظام حماية الودائع لدى المصارف الإسلامية"، حيث قسم بحثه إلى أربعة مباحث، فتكلم في المبحث الأول، عن النظم التقليدية لحماية الودائع، ثم تكلم عن الجوانب الشرعية لضمان ودائع المصارف الإسلامية في المبحث الثالث، وانتهى من كلامه بذكر النظام المقترح لحماية ودائع المصارف الإسلامية.

                - بحث الأستاذ الدكتور محمد العيسى، والدكتور أحمد الخطيب، بعنوان: "يد الضمان ويد الأمانة بين النظرية والتطبيق في الفقه الإسلامي"، وبحثا فيه عن المسائل، التي تتعلق بوضع اليد من حيث الأمانة والضمان والأحكام المترتبة على ذلك، كما ذكرا أن يد الأمانة تتحول إلى يد الضمان في حالات، منها: التعدي والتقصير.

                - رسالة أحمد حافظ موسى، وهي بعنوان: "الضمان في عقود الأمانات في الفقه الإسلامي وتطبيقاته المعاصرة"، وتقع الرسالة في 306 صفحة، وتتألف من ستة فصول: [ ص: 9 ]

                الفصل الأول: في ضمان الوديعة، وقد تناول فيه الباحث تعريف الوديعة، وبين أحكام الضمان، من حيث استعمال الوديعة وخلطها بغيرها ودفعها للغير، بينما قام الباحث في الفصل الثاني، ببيان الضمان في الوكالة.

                الفصل الثالث: في عقد الشركة والمضاربة، حيث تكلم فيه عن ضمان التصرفات، التي يملكها الشريك والمضارب بمطلق العقد، وكذا عند التفويض، بينما كان الحديث في الفصل الرابع عن الإجارة، وفي الفصل الخامس عن ضمان الوصي وعامل المساقاة والمزارعة.

                أما الفصل السادس ففي التطبيقات المعاصرة، حيث تكلم فيه عن الودائع المصرفية وسندات المقارضة وشركة التوصية البسيطة.

                - رسالة الدكتور حمد بن محمد الجابر الهاجري، وهي بعنوان: "القواعد والضوابط الفقهية في الضمان المالي"، حيث قسم بحثه إلى مقدمة وأربعة أبواب، فتكلم في الباب الأول: عن القواعد المتعلقة بأسباب الضمان من التعدي والتفريط والعقد واليد، ثم تكلم عن القواعد المتعلقة بالضامن في الباب الثاني، وانتهى من كلامه بذكر القواعد والضوابط، التي تتعلق بالمضمون في الباب الثالث. أما الباب الرابع فقد خصصه لبيان القواعد والضوابط، التي ترتبط بسقوط الضمان.

                مما سبق، يبدو أن هذا الموضوع حاز على اهتمام كثير من الباحثين المعاصرين، وذلك من خلال العديد من البحوث والرسائل العلمية وانعقاد المؤتمرات والندوات حوله، إلا أن ما تختص به هذه الدراسة عما سبق من [ ص: 10 ] الدراسات أنها تعالج إشكالية تضمين البنك الإسلامي لأموال الاستثمار من وجهة النظر الشرعية بالإضافة إلى عرض البدائل المقترحة.

                - منهجية البحث:

                حتى تكون الدراسة واضحة المعالم، فلابد من مراعاة المزج بين الجوانب الفقهية والنواحي الاقتصادية، والاستعانة بآراء الفقهاء القدامى والباحثين المعاصرين معا. ومن ثم استخدمت عدة مناهج، وهي: المنهج الاستقرائي، والمنهج التحليلي ثم المنهج المقارن.

                أولا: منهج الاستقراء: وهذا يقضي الرجوع إلى التراث الفقهي لتتبع أقوال الفقهاء، وكذا أقوال المعاصرين، التي تتصل بالموضوع.

                ثانيا: المنهج التحليلي: وذلك بتحليل ما سبق الوصول إليه من معلومات واتجاهات.

                ثالثا: منهـج المقـارنة: وذلك بالمقارنة بين آراء المذاهب الفقهية بأدلتها، لما في ذلك من بعد عن التعصب وإثراء للرأي.

                - خطة الدراسة:

                تشتمل خطة الدراسة على مقدمة ومبحث تمهيدي يعقبه ستة مباحث وخاتمة بها أهم النتائج والتوصيات.

                أما المقدمة، ففيها أهمية الموضوع، إشكاليته، أهدافه، الدراسات السابقة حول الموضوع، منهجيته وخطة البحث ثم خاتمة. [ ص: 11 ]

                التالي السابق


                الخدمات العلمية