الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 150 ] قوله تعالى: من يشفع شفاعة حسنة في المراد بالشفاعة أربعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنها شفاعة الإنسان للإنسان ، ليجتلب له نفعا ، أو يخلصه من بلاء ، وهذا قول الحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن زيد . والثاني: أنها الإصلاح بين اثنين ، قاله ابن السائب . والثالث: أنه الدعاء للمؤمنين والمؤمنات ، ذكره الماوردي . والرابع: أن المعنى: من يصر شفعا لوتر أصحابك يا محمد ، فيشفعهم في جهاد عدوهم وقتالهم في سبيل الله ، قاله ابن جرير ، وأبو سليمان الدمشقي .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي الشفاعة السيئة ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنها السعي بالنميمة ، قاله ابن السائب ، ومقاتل . والثاني: أنها الدعاء على المؤمنين والمؤمنات ، وكانت اليهود تفعله ، ذكره الماوردي . والثالث: أن المعنى من يشفع وتر أهل الكفر ، فيقاتل المؤمنين ، قاله ابن جرير ، وأبو سليمان الدمشقي . قال الزجاج : و "الكفل" في اللغة: النصيب ، وأخذ من قولهم: اكتفلت البعير: إذ أدرت على سنامه ، أو على موضع من ظهره كساء ، وركبت عليه . وإنما قيل له: كفل ، لأنه لم يستعمل الظهر كله ، وإنما استعمل نصيبا منه . وفي "المقيت" سبعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنه المقتدر ، قال أحيحة بن الجلاح:


                                                                                                                                                                                                                                      وذي ضغن كففت النفس عنه وكنت على مساءته مقيتا



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 151 ] وإلى هذا المعنى ذهب ابن عباس ، وابن جرير ، والسدي ، وابن زيد ، والفراء ، وأبو عبيد ، وابن قتيبة ، والخطابي .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه الحفيظ ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، والزجاج . وقال: هو بالحفيظ أشبه ، لأنه مشتق من القوت ، يقال: قت الرجل أقوته قوتا: إذا حفظت عليه نفسه بما يقوته . والقوت: اسم الشيء الذي يحفظ نفسه [ولا فضل فيه على قدر الحفظ] ، فمعنى المقيت: الحافظ الذي يعطي الشيء على قدر الحاجة من الحفظ . قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      ألي الفضل أم علي إذا حو     سبت أني على الحساب مقيت



                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنه الشهيد ، رواه ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، واختاره أبو سليمان الدمشقي . والرابع: أنه الحسيب ، رواه خصيف عن مجاهد . والخامس: الرقيب ، رواه أبو شيبة عن عطاء . والسادس: الدائم ، رواه ابن جريج عن عبد الله بن كثير . والسابع: أنه معطي القوت ، قاله مقاتل بن سليمان . وقال الخطابي: المقيت يكون بمعنى: معطي القوت ، قال الفراء: يقال قاته وأقاته .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية