الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان من شأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يحفظ من أطاعه؛ ومن عصاه؛ ليبلغ ذلك من أرسله؛ وكان - سبحانه وتعالى - قد أشار له إلى الإعراض عن ذلك؛ لكونه لا يحيط بذلك علما؛ وإن اجتهد; شرع يخبره ببعض ما يخفونه؛ فقال حاكيا لبعض أقوالهم؛ مبينا لنفاقهم فيه؛ وخداعهم؛ ويقولون ؛ أي: إذا أمرتهم بشيء من أمرنا؛ وهم بحضرتك؛ طاعة ؛ أي: كل طاعة منا لك دائما؛ نحن ثابتون على ذلك؛ والتنكير للتعظيم؛ بالتعميم؛ فإذا برزوا ؛ أي: خرجوا؛ من عندك بيت طائفة ؛ هم في غاية التمرد؛ منهم ؛ أي: قدرت؛ وزورت على غاية من التقدير؛ والتحرير؛ مع الاستدارة؛ والتقابل؛ كفعل من يدبر الأمور؛ ويحكمها؛ ويتقنها ليلا؛ غير الذي تقول ؛ أي: تجدد قوله لك في كل حين؛ من الطاعة التي أظهروها؛ أو غير قولك الذي بلغته لهم؛ وأدغم أبو عمرو؛ وحمزة التاء بعد تسكينها؛ استثقالا لتوالي الحركات في الطاء؛ لقرب المخرجين؛ والطاء تزيد بالإطباق؛ فحسن إدغام الأنقص في الأزيد; وأظهر الباقون؛ والإدغام أوفق لحالهم؛ والإظهار أوفق لما [ ص: 339 ] فصح من محالهم.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الإنسان من عادته إثبات الأمور التي يريد تخليدها بالكتابة؛ أجرى الأمر على ذلك؛ فقال: والله ؛ أي: والحال أن الملك المستجمع لصفات الكمال؛ يكتب ما يبيتون ؛ أي: يجددون تبييته؛ كلما فعلوه؛ وهو غني عنه؛ ولكن ذلك ليقريهم إياه يوم يقوم الأشهاد؛ ويقيم به الحجة عليهم؛ على ما جرت به عاداتهم؛ أو يوحي به إليك فيفضحهم بكتابته؛ وتلاوته مدى الدهر؛ فلا يظنوا أن تبييتهم يغنيهم شيئا.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما تسبب عن ذلك كفايته - صلى الله عليه وسلم - هذا المهم؛ قال: فأعرض عنهم ؛ أي: فإنهم بذلك لا يضرون إلا أنفسهم؛ وتوكل ؛ أي: في شأنهم؛ وغيره؛ على الله ؛ أي: الذي لا يخرج شيء عن مراده؛ وكفى بالله ؛ أي: المحيط علما وقدرة؛ وكيلا ؛ فستنظر كيف تكون العاقبة في أمرك وأمرهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية