الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
وضع الطلب موضع الخبر

كقوله تعالى : قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا ( مريم : 75 ) .

وقوله : قل أنفقوا طوعا أو كرها ( التوبة : 53 ) .

وقوله : وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ( البقرة : 125 ) .

وقوله : فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين ياموسى إنه أنا الله العزيز الحكيم وألق عصاك ( النمل : 8 - 9 - 10 ) فقوله : ( وألق ) معطوف على قوله : أن بورك فـ ( ألق ) وإن كان إنشاء لفظا لكنه خبر معنى ، والمعنى : " فلما جاءها قيل : بورك من في النار ، وقيل : ألق " .

والموجب لهذا قول النحاة : إن " أن " هذه مفسرة لا تأتي إلا بعد فعل في معنى القول ، وإذا قيل : كتبت إليه أن ارجع ، وناداني أن قم ، كله بمنزلة : قلت له : ارجع ، وقال لي : قم . كذا قاله صاحب " المفتاح " .

وما ذكره من أن " بورك " خبرية لفظا ومعنى ممنوع ؛ لجواز أن يكون دعاء وهو إنشاء ؛ وقد ذكر هذا التقديرالفارسي وأبو البقاء ، فتكون الجملتان متفقتين في معنى الإنشاء ، فتكون مثل لا تعبدون إلا الله ( البقرة : 83 ) .

[ ص: 413 ] وقوله : ياليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ( الأنعام : 27 ) إلى قوله : وإنهم لكاذبون ( الأنعام : 28 ) فإنه يقال : كيف ورد التمني على التكذيب وهو إنشاء ؟

وأجاب الزمخشري أنه ضمن معنى العدة ، وأجاب غيره بأنه محمول على المعنى من الشرط والخبر ، كأنه قيل : إن رددنا لم نكذب وآمنا ، والشرط خبر ، فصح ورود التكذيب عليه .

وقوله : اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم ( العنكبوت : 12 ) أي : ونحن حاملون . بدليل قوله : إنهم لكاذبون ( العنكبوت : 12 ) والكذب إنما يرد على الخبر .

وقوله : أسمع بهم وأبصر ( مريم : 38 ) تقديره : ما أسمعهم وأبصرهم ؛ لأن الله تعالى لم يتعجب منهم ولكنه دل المكلفين على أن هؤلاء قد نزلوا منزلة من يتعجب منه .

ومما يدل على كونه ليس أمرا حقيقيا ظهور الفاعل الذي هو الجار والمجرور في الأول ، وفعل الأمر لا يبرز فاعله أبدا .

ووجه التجوز في هذا الأسلوب أن الأمر شأنه أن يكون ما فيه داعية للأمر ؛ وليس الخبر كذلك ، فإذا عبر عن الخبر بلفظ الأمر أشعر ذلك بالداعية ، فيكون ثبوته وصدقه أقرب ، هذا بالنسبة لكلام العرب لا لكلام الله ؛ إذ يستحيل في حقه سبحانه الداعية للفعل .

بقي الكلام في أيهما أبلغ ؟ هذا القسم أو الذي قبله ؟ .

قال الكواشي في قوله تعالى : فليمدد له الرحمن مدا ( مريم : 75 ) الأمر بمعنى الخبر لتضمنه اللزوم ؛ نحو : إن زرتنا فلنكرمك ، يريدون تأكيد إيجاب الإكرام عليهم .

[ ص: 414 ] وقال الزمخشري في قوله تعالى : لا تعبدون إلا الله ( البقرة : 83 ) ورود الخبر ، والمراد الأمر أو النهي أبلغ من صريح الأمر والنهي ؛ كأنه سورع فيه إلى الامتثال والخبر عنه .

وقال النووي في " شرح مسلم " : في باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها في النكاح : وقوله - صلى الله عليه وسلم - : لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ، ولا يسوم على سوم أخيه هكذا هو في جميع النسخ : ( ولا يسوم ) بالواو و : ( لا يخطب ) بالرفع ، وكلاهما لفظه لفظ الخبر ، والمراد به النهي ، وهو أبلغ في النهي ؛ لأن خبر الشارع لا يتصور وقوع خلافه ، والنهي قد يقع مخالفته ، فكأن المعنى : عاملوا هذا النهي معاملة خبر الحتم ، ثم قال - صلى الله عليه وسلم - : ولا تسأل المرأة طلاق أختها يجوز في " تسأل " الرفع والكسر ، والأول على الخبر الذي يراد به النهي ، وهو المناسب لقوله قبله : " لا يخطب ولا يسوم " والثاني على النهي الحقيقي . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية