الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب إجارة الراعي

( قال : رحمه الله وإذا استأجر راعيا يرعى له غنما معلوما مدة معلومة فهو جائز ; لأن المعقود عليه معلوم مقدور التسليم ، ثم الراعي قد يكون أجير واحد وقد يكون مشتركا فإنشرط عليه رب الغنم أن لا يرعى غنمه مع غنم غيره فهو جائز ) لأنه يجعله بهذا الشرط أجير واحد وتبين أن المعقود عليه منافعه في المدة ، والشرط الذي يبين المعقود عليه لا يزيد العقد إلا وكادة فإن مات منها شاة لم يضمنها ; لأنه أمين فيما في يده من الغنم ولا ينقص من أجره بحسابها [ ص: 161 ] لأن المعقود عليه منافعه وبهلاك بعض الغنم لا يتمكن النقصان من منافعه ولا في تسليمها وليس له أن يرعى معها شيئا ; لأن منافعه صارت مستحقة للأول فلا يملك إيجاب الحق فيها لغيره ; لأن ذلك تصرف منه في ملك الغير

ولو ضرب منها شاة ففقأ عينها كان ضامنا ; لأنه لم يأذن له صاحبها بضربها فهو كما لو قتلها بضربته ولو سقاها من نهر فغرقت شاة منها لم يضمن ; لأنه مأذون في سقيها وما تلف بالعمل المأذون فيه لا يضمن أجير الواحد كما في الدق وكذلك لو عطبت منها شاة في المرعى أو أكلها سبع وهو مصدق فيما هلك مع يمينه ; لأنه أمين فيما في يده والقول قول الأمين مع اليمين ولو هلك من الغنم نصفها أو أكثر كان له الأجر تاما ما دام يرعاها ; لأن استحقاق الأجر بتسليم نفسه لذلك العمل ; ولهذا لو كان الراعي مشتركا يرعى لمن شاء على قول أبي حنيفة رحمه الله وهو ضامن ; لما يهلك بفعله من سباق أو سقي أو غير ذلك ; لأن الأجير المشترك ضامن لما جنت يده ، وإن لم يخالف في إقامة العمل ظاهرا كما في القصار إذا دق الثوب فتخرق وما هلك من غير فعله بموت أو سرقة من غير تضييع أو أكل سباع فلا ضمان عليه ، وعلى قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله هو ضامن بجميع ذلك إلا الموت لأنه لا يمكن الاحتراز عنه ، ولكنه لا يصدق على ما يدعيه من الموت إلا ببينة تقام له على ذلك ; لأن على أصلهما القبض في حق الأجير المشترك يوجبه ضمان العين عليه فدعواه الموت بعد ذلك بمنزلة دعوى الرد من حيث إنه يدعي ما يسقط الضمان به عن نفسه فلا يصدق من ذلك إلا بحجة كالغاصب ولو شرط عليه في الإجارة ضمان ما هلك من فعله لم يفسد ذلك الإجارة ; لأن ذلك عليه من غير شرط فلا يزيده الشرط وإلا وكادة ، وإن شرط عليه ضمان ما مات فالإجارة فاسدة لأن هذا الشرط مخالف لحكم الشرع ولأنه يلتزم بهذا الشرط ما ليس في وسعه وهو الحفظ عن الموت واشتراط ما ليس في وسع العاقد في العقد مفسد للعقد

وإن شرط عليه الضمان فيما سرق من غير عمله أو يأكله السبع فعند أبي حنيفة رحمه الله يفسد العقد ; لأنه شرط مخالف لحكم الشرع وعندهما ; لأن ذلك عليه من غير شرط وإذا كان الراعي أجير واحد فاشتراط هذا عليه مفسد للعقد ; لأنه لا ضمان عليه بدون الخلاف واشتراط الضمان على الأمين باطل وببطلان الشرط يبطل عقد الإجارة ، وإذا أتى الراعي المشترك بالغنم إلى أهلها فأكل السبع منها شاة وهي في موضعها فلا ضمان عليه ; لأنه بتسليمها إلى أهلها يخرج من عهدتها ولأن عليه عمل الرعي وقد انتهى ذلك حين أتى بها إلى أهلها فلا ضمان عليه فيما يعطب [ ص: 162 ] بعد ذلك وله أن يبعث الغنم مع غلامه وأجيره وولده بعد أن يكون كبيرا في عياله سواء كان مشتركا أو خاصا ; لأن يد هؤلاء في الحفظ والرعي أكيدة ، وكذلك في الرد وهذا بالعرف فإن الراعي يلتزم حفظ الغنم على الوجه الذي يحفظ غنم نفسه ، وذلك بيده تارة وبيد من في عياله تارة

التالي السابق


الخدمات العلمية