الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              49 (12) باب

                                                                                              من يذوق طعم الإيمان وحلاوته

                                                                                              [ 27 ] عن العباس بن عبد المطلب ; أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا .

                                                                                              رواه أحمد ( 1 \ 208 ) ، ومسلم ( 34 ) ، والترمذي ( 2758 ) .

                                                                                              [ ص: 210 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 210 ] (12) ومن باب من يذوق طعم الإيمان وحلاوته

                                                                                              (قوله : " ذاق طعم الإيمان ") أي : وجد حلاوته ، كما قال في حديث أنس : ثلاث من كن فيه ، وجد بهن حلاوة الإيمان ، وهي عبارة عما يجده المؤمن المحقق في إيمانه ، المطمئن قلبه به ; من انشراح صدره ، وتنويره بمعرفة الله تعالى ، ومعرفة رسوله ، ومعرفة منة الله تعالى عليه : في أن أنعم عليه بالإسلام ، ونظمه في سلك أمة محمد خير الأنام ، وحبب إليه الإيمان والمؤمنين ، وبغض إليه الكفر والكافرين ، وأنجاه من قبيح أفعالهم ، وركاكة أحوالهم .

                                                                                              وعند مطالعة هذه المنن ، والوقوف على تفاصيل تلك النعم ، تطير القلوب فرحا وسرورا ، وتمتلئ إشراقا ونورا ، فيا لها من حلاوة ما ألذها ، وحالة ما أشرفها!! فنسأله - الله - تعالى أن يمن بدوامها وكمالها ، كما من بابتدائها وحصولها ; فإن المؤمن عند تذكر تلك النعم والمنن لا يخلو عن إدراك تلك الحلاوة ; غير أن المؤمنين في تمكنها ودوامها متفاوتون ، وما منهم إلا وله منها شرب معلوم ، وذلك بحسب ما قسم لهم من هذه المجاهدة الرياضية ، والمنح الربانية ، وللكلام في تفاصيل ما أجملناه مقام آخر .

                                                                                              و (قوله : " من رضي بالله ربا . . . ") الحديث ; الرضا بهذه الأمور الثلاثة على قسمين :

                                                                                              رضا عام : وهو ألا يتخذ غير الله ربا ، ولا غير دين الإسلام دينا ، ولا غير محمد - صلى الله عليه وسلم - رسولا ; وهذا الرضا لا يخلو عنه مسلم ; إذ لا يصح التدين بدين الإسلام إلا بذلك الرضا .

                                                                                              [ ص: 211 ] والرضا الخاص : هو الذي تكلم فيه أرباب القلوب ، وهو ينقسم على قسمين : رضا بهذه الأمور ، ورضا عن مجريها تعالى ; كما قال أبو عبد الله بن خفيف : الرضا قسمان : رضا به ، ورضا عنه ; فالرضا به مدبرا ، والرضا عنه فيما قضى ، وقال أيضا : هو سكون القلب إلى أحكام الرب ، وموافقته على ما رضي واختار ، وقال الجنيد : الرضا رفع الاختيار ، وقال المحاسبي : هو سكون القلب تحت مجاري الأحكام ، وقال أبو علي الروذباري : ليس الرضا ألا يحس بالبلاء ، إنما الرضا ألا يعترض على الحكم .

                                                                                              قال المؤلف - رحمه الله تعالى - : وما ذكره هؤلاء المشايخ هو مبدأ الرضا عندهم ، وقد ينتهي الرضا إلى ما قاله النوري : هو سرور القلب بمر القضاء ، وسئلت رابعة عن الرضا ؟ فقالت : إذا سرته المصيبة كما سرته النعمة .

                                                                                              وقد غلا بعضهم وهو أبو سليمان الداراني ، فقال : أرجو أن أكون عرفت طرفا من الرضا ، لو أنه أدخلني النار ، لكنت به راضيا . وقال رويم : الرضا هو : لو جعل جهنم عن يمينه ، ما سأل أن يحول عن شماله .

                                                                                              قال المؤلف - رحمه الله تعالى - : وهذا غلو ، وفيه إشكال ، والكلام فيه يخرج عن مقصود كتابنا . وعلى الجملة : فالرضا باب الله الأعظم ، وفيه جماع الخير كله ; كما قال عمر لأبي موسى فيما كتب إليه : أما بعد ! فإن الخير كله في الرضا ; فإن استطعت أن ترضى ، وإلا فاصبر .




                                                                                              الخدمات العلمية