الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 157 ] قوله تعالى: إلا الذين يصلون هذا الاستثناء راجع إلى القتل ، لا إلى الموالاة .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي (يصلون) قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنه بمعنى: يتصلون ويلجؤون ، قال ابن عباس : كان هلال بن عويمر الأسلمي وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، فكان من وصل إلى هلال من قومه وغيرهم ، فلهم من الجوار مثل ما لهلال .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه بمعنى: ينتسبون ، قاله ابن قتيبة ، وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      إذا اتصلت قالت أبكر بن وائل وبكر سبتها والأنوف رواغم



                                                                                                                                                                                                                                      يريد: إذا انتسبت ، قالت: أبكرا ، أي: يا آل بكر .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 158 ] وفي القوم المذكورين أربعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنهم بنو بكر بن زيد مناة ، قاله ابن عباس . والثاني: أنهم هلال بن عويمر الأسلمي ، وسراقة بن مالك ، وخزيمة بن عامر بن عبد مناف ، قاله عكرمة . والثالث: أنهم بنو مدلج ، قاله الحسن . والرابع: خزاعة ، وبنو مدلج ، قاله مقاتل . قال ابن عباس : "والميثاق": العهد .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 159 ] قوله تعالى: أو جاءوكم فيه قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أن معناه: أو يصلون إلى قوم جاؤوكم ، قاله الزجاج في جماعة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه يعود إلى المطلوبين للقتل ، فتقديره: أو رجعوا فدخلوا فيكم ، وهو بمعنى: قول السدي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: حصرت صدورهم فيه قولان . أحدهما: أن فيه إضمار "قد" .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه خبر بعد خبر ، فقوله (جاءوكم): خبر قد تم ، وحصرت: خبر مستأنف ، حكاهما الزجاج . وقرأ الحسن ، ويعقوب ، والمفضل ، عن عاصم: (حصرت صدورهم) على الحال . و "حصرت" ضاقت ، ومعنى الكلام: ضاقت صدورهم عن قتالكم للعهد الذي بينكم وبينهم ، أو يقاتلوا قومهم ، يعني: قريشا

                                                                                                                                                                                                                                      قال مجاهد: هلال بن عويمر هو الذي حصر صدره أن يقاتلكم ، أو يقاتل قومه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولو شاء الله لسلطهم عليكم قال الزجاج : أخبر أنه إنما كفهم بالرعب الذي قذف في قلوبهم . وفي "السلم" قولان . أحدهما: أنه الإسلام ، قاله الحسن . والثاني: الصلح ، قاله الربيع ، ومقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      فصل

                                                                                                                                                                                                                                      قال جماعة من المفسرين: معاهدة المشركين وموادعتهم المذكورة في هذه الآية منسوخة بآية السيف . قال القاضي أبو يعلى: لما أعز الله الإسلام أمروا أن لا يقبلوا من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية