الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 492 ] باب الاختلاف في الشهادة

مبنى هذا الباب على أصول مقررة منها أن الشهادة على حقوق العباد لا تقبل بلا دعوى ، بخلاف حقوقه تعالى .

ومنها أن الشهادة بأكثر من المدعى باطلة ، بخلاف الأقل للاتفاق فيه . ومنها أن الملك المطلق أزيد من المقيد لثبوته من الأصل والملك بالسبب مقتصر على وقت السبب . ومنها موافقة الشهادتين لفظا ومعنى ، وموافقة الشهادة الدعوى معنى فقط وسيتضح .

( تقدم الدعوى في حقوق العباد شرط قبولها ) لتوقفها على مطالبتهم ولو بالتوكيل ، بخلاف حقوق الله تعالى لوجوب إقامتها على كل أحد فكل أحد خصم فكأن الدعوى موجودة ( فإذا وافقتها ) أي وافقت الشهادة الدعوى ( قبلت وإلا ) توافقها ( لا ) تقبل [ ص: 493 ] وهذا أحد الأصول المتقدمة ( فلو ادعى ملكا مطلقا فشهدا به بسبب ) كشراء أو إرث ( قبلت ) لكونها بالأقل مما ادعى فتطابقا معنى كما مر ( وعكسه ) بأن ادعى بسبب وشهدا بمطلق ( لا ) تقبل لكونها بالأكثر كما مر .

قلت : وهذا في غير دعوى إرث ونتاج وشراء من مجهول كما بسطه الكمال ، واستثنى في البحر ثلاثة وعشرين .

التالي السابق


باب الاختلاف في الشهادة .

( قوله منها أن الشهادة إلخ ) هذه عبارة الدرر . قال محشيها الشرنبلالي : ليس من هذا الباب لأنه في الاختلاف في الشهادة لا في قبول الشهادة وعدمه ا هـ مدني .

( قوله بأكثر من المدعى ) ومنه إذا ادعى ملكا مطلقا أو بالنتاج فشهدوا في الأول بالملك بسبب وفي الثاني بالملك المطلق قبلت لأن الملك بسبب أقل من المطلق لأنه يفيد الأولوية ، بخلافه بسبب فإنه يفيد الحدوث والمطلق أقل من النتاج لأن المطلق يفيد الأولوية على الاحتمال والنتاج على اليقين وفي قلبه ، وهو دعوى المطلق فشهدوا بالنتاج لا تقبل ، ومن الأكثر ما لو ادعى الملك بسبب فشهدوا بالمطلق لا تقبل إلا إذا كان السبب الإرث باقاني ، وتمامه هناك كذا في الهامش .

( قوله باطلة ) أي إلا إذا وفق وبيانه في البحر .

( قوله موافقة الشهادتين إلخ ) كما لو ادعى دارا في يد رجل أنها له منذ سنة فشهد الشهود أنها منذ عشرين سنة بطلت ، فلو ادعى المدعي أنها منذ عشرين سنة والشهود شهدوا أنها منذ سنة جازت شهادتهم خانية . وفي الأنقروي عن القاعدية في الشهادات : الشهادة لو خالفت الدعوى بزيادة لا يحتاج إلى إثباتها أو نقصان كذلك فإن ذلك لا يمنع قبولها ا هـ حامدية .

وفي الخيرية عن الفصولين : ولا يكلف الشاهد ، إلى بيان لون الدابة لأنه سئل عما لا يكلف إلى بيانه فاستوى ذكره وتركه ، ويخرج منه مسائل كثيرة ا هـ حامدية .

رجل ادعى في يد رجل متاعا أو دارا أنها له وأقام البينة وقضى القاضي له فلم يقبضه حتى أقام الذي في يده البينة أن المدعي أقر عند غير القاضي أنه لا حق له فيه قال : إن شهدوا أنه أقر بذلك قبل القضاء بطل القضاء . وإن شهدوا أنه أقر به بعد القضاء لا يبطل القضاء لأن الثابت بالبينة كالثابت عيانا ، ولو عاين القاضي إقراره بذلك كان الحكم على هذا الوجه خاليا من تكذيب الشهود وكذا في الهامش .

( قوله فإذا وافقتها قبلت ) صدر الباب بهذه المسألة مع أنها ليست من الاختلاف في الشهادة لكونها كالدليل لوجوب اتفاق الشاهدين ، ألا ترى أنهما لو اختلفا لزم اختلاف الدعوى والشهادة كما لا يخفى على من له أدنى بصيرة سعدية ، وبه ظهر وجه جعل ذلك من الأصول . ثم [ ص: 493 ] إن التفريع على ما قبله مشعر بما قاله في البحر من أن اشتراط المطابقة بين الدعوى والشهادة إنما هو فيما كانت الدعوى شرطا فيه وتبعه في تنوير البصائر وهو ظاهر ، لأن تقدم الدعوى إذا لم يكن شرطا كان وجودها كعدمها فلا يضر عدم التوافق . ثم إن تفريعه على ما قبله لا ينافي كونه أصلا لشيء آخر وهو الاختلاف في الشهادة فافهم . وبما تقرر اندفع ما في الشرنبلالية من أن قوله منها أن الشهادة على حقوق العباد إلخ ليس من هذا الباب لأنه في الاختلاف في الشهادة لا في قبولها وعدمه فتدبر .

( قوله وهذا أحد الأصول إلخ ) نبه عليه دون ما قبله لدفع توهم عدم أصلية سبب كونه مفرعا على ما قبله فإنه لا تنافي كما قدمناه وإلا فما قبله أصل أيضا كما علمته فتنبه .

( قوله أو إرث ) تبع فيه الكنز ، والمشهور أنه كدعوى الملك المطلق كما في البحر عن الفتح وسيذكره الشارح ، فلو أسقطه هنا لكان أولى ح .

( قوله قبلت ) فيه قيد في البحر عن الخلاصة .

( قوله بأن ادعى بسبب ) أي ادعى العين لا الدين بحر .

( قوله بالأكثر ) وفيه لا تقبل إلا إذا وفق بحر .

( قوله في غير دعوى إرث ) لأنه مساو للملك المطلق كما قدمناه .

( قوله ونتاج ) لأن المطلق أقل منه لأنه يفيد الأولوية على الاحتمال والنتاج على اليقين ، وذكر في الهامش أن الشهادة على النتاج بأن يشهدا أن هذا كان يتبع هذه الناقة ، ولا يشترط أداء الشهادة على الولادة فتاوى الهندية في باب تحمل الشهادة عن التتارخانية عن الينابيع ا هـ .

( قوله وشراء من مجهول ) لأن الظاهر أنه مساو للملك المطلق ، وكذا في غير دعوى قرض بحر ، ومثله شراء مع دعوى قبض ، فإذا ادعاهما فشهدا على المطلق تقبل بحر عن الخلاصة .

وحكى في الفتح عن العمادية خلافا .

( قوله ثلاثة وعشرين ) لكن ذكر في البحر بعدها أنه في الحقيقة لا استثناء فراجعه .




الخدمات العلمية