الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عمق ]

                                                          عمق : العمق والعمق : البعد إلى أسفل ، وقيل : هو قعر البئر والفج والوادي ، قال ابن بري ومنه قول الشماخ :


                                                          وأفيح من روض الرباب عميق

                                                          أي : بعيد .

                                                          وتعميق البئر وإعماقها : جعلها عميقة . وتقول العرب : بئر عميقة ومعيقة بعيدة القعر ، وقد عمقت ومعقت وأعمقتها ، وإنها لبعيدة العمق والمعق . قال الله تعالى : وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق قال الفراء : لغة أهل الحجاز عميق ، وبنو تميم يقولون : معيق . قال مجاهد في قوله : من كل فج عميق من كل طريق بعيد ، وقال الليث في قوله : من كل فج عميق ويقال معيق ، قال : والعميق أكثر من المعيق في الطريق . وأعماق الأرض : نواحيها . ويقال لي في هذه الدار عمق أي : حق ، وما لي فيها عمق أي : حق . والعمق : البسر الموضوع في الشمس لينضج ؛ عن أبي حنيفة ، قال : وأنا فيه شاك . ورجل عمقي الكلام : لكلامه غور . والعمقى : نبت . وبعير عامق وإبل عامقة : تأكل العمقى ؛ قال الجوهري : العمقى بكسر العين شجر بالحجاز وتهامة ، قال ابن بري : ويقال العمقى أمر من الحنظل ؛ قال الشاعر :


                                                          فأقسم أن العيش حلو إذا دنت     وهو إن نأت عني أمر من العمقى

                                                          والعمقى : موضع ؛ قال أبو ذؤيب :


                                                          لما ذكرت أخا العمقى تأوبني     هم وأفرد ظهري الأغلب الشيح

                                                          والعمق بضم العين وفتح الميم : موضع بمكة ؛ وقول ساعدة بن جؤية :


                                                          لما رأى عمقا ورجع عرضه هدرا     كما هدر الفنيق المصعب

                                                          أراد العمق فغير ، وقد يكون عمق بلدا بعينه غير هذا . قال الأزهري : العمق موضع على جادة طريق مكة بين معدن بني سليم وذات عرق ، قال : والعامة تقول العمق ، وهو خطأ . قال : وعمق موضع آخر . وفي الحديث ذكر العمق .

                                                          قال ابن الأثير : العمق بضم العين وفتح الميم منزل عند النقرة لحاج العراق ، فأما بفتح العين وسكون الميم فواد من أودية الطائف نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاصرها . وعماق : موضع . وعمق : أرض لمزينة .

                                                          وما في النحي عمقة : كقولك ما به عيقة ؛ عن اللحياني ، أي : لطخ ولا وضر ولا لعوق من رب ولا سمن .

                                                          وعمق النظر في الأمور تعميقا وتعمق في كلامه أي : تنطع . وتعمق في الأمر : تنوق فيه ، فهو متعمق . وفي الحديث : لو تمادى الشهر لواصلت وصالا يدع المتعمقون تعمقهم . المتعمق : المبالغ في الأمر المتشدد فيه الذي يطلب أقصى غايته .

                                                          والعمق والعمق : ما بعد من أطراف المفاوز . والأعماق : أطراف المفاوز البعيدة ، وقيل الأطراف ولم تقيد ؛ ومنه قول رؤبة :


                                                          وقاتم الأعماق خاوي المخترق     مشتبه الأعلام لماع الخفق

                                                          ويقال الأعماق . . . المطمئن ، ويجوز أن تكون بعيدة الغور . وأعامق : موضع ؛ قال الشاعر :


                                                          وقد كان منا منزلا نستلذه     أعامق برقاواته فأجاوله

                                                          [ عمل ]

                                                          عمل : قال الله عز وجل في آية الصدقات : والعاملين عليها هم السعاة الذين يأخذون الصدقات من أربابها ، واحدهم عامل وساع .

                                                          وفي الحديث : ما تركت بعد نفقة عيالي ومئونة عاملي صدقة .

                                                          أراد بعياله زوجاته ، وبعامله الخليفة بعده ، وإنما خص أزواجه ؛ لأنه لا يجوز نكاحهن فجرت لهن النفقة فإنهن كالمعتدات .

                                                          والعامل : هو الذي يتولى أمور الرجل في ماله وملكه وعمله ، ومنه قيل للذي يستخرج الزكاة : عامل . والعمل : المهنة والفعل ، والجمع أعمال ، عمل عملا ، وأعمله غيره واستعمله ، واعتمل الرجل : عمل بنفسه ؛ أنشد سيبويه :


                                                          إن الكريم وأبيك يعتمل     إن لم يجد يوما على من يتكل
                                                          فيكتسي من بعدها ويكتحل

                                                          أراد من يتكل عليه ، فحذف عليه هذه وزاد على متقدمة ، ألا ترى أنه يعتمل إن لم يجد من يتكل عليه ؟ وقيل : العمل لغيره والاعتمال لنفسه ؛ قال الأزهري : هذا كما يقال اختدم إذا خدم نفسه ، واقترأ إذا قرأ السلام على نفسه . واستعمل فلان غيره إذا سأله أن يعمل له ، واستعمله : طلب إليه العمل . واعتمل : اضطرب في العمل . واستعمل فلان إذا ولي عملا من أعمال السلطان .

                                                          وفي حديث خيبر : دفع إليهم أرضهم على أن يعتملوها من أموالهم .

                                                          الاعتمال : افتعال من العمل أي : أنهم يقومون بما يحتاج إليه من عمارة وزراعة وتلقيح وحراسة ونحو ذلك . وأعمل فلان ذهنه في كذا وكذا إذا دبره بفهمه . وأعمل رأيه وآلته ولسانه واستعمله : عمل به . قال الأزهري : عمل فلان العمل يعمله عملا ، فهو عامل ، قال : ولم يجئ فعلت أفعل فعلا متعديا إلا في هذا الحرف ، وفي قولهم : هبلته أمه هبلا ، وإلا فسائر الكلام يجيء على فعل ساكن العين كقولك [ ص: 284 ] سرطت اللقمة سرطا ، وبلعته بلعا وما أشبهه . ورجل عمول إذا كان كسوبا . ورجل عمل : ذو عمل ؛ حكاه سيبويه ؛ وأنشد لساعدة بن جؤية :


                                                          حتى شآها كليل موهنا عمل     باتت طرابا وبات الليل لم ينم

                                                          نصب سيبويه موهنا بعمل ، ودفعه غيره من النحويين فقال : إنما هو ظرف ، وهذا حسن منه ؛ لأنه إنما يحمل الشيء على إعمال فعل إذا لم يوجد من إعماله بد .

                                                          ورجل عمول : بمعنى رجل عمل أي : مطبوع على العمل . وتعمل فلان لكذا ، والتعميل : تولية العمل . يقال : عملت فلانا على البصرة ؛ قال ابن الأثير : قد يكون عملته بمعنى وليته وجعلته عاملا ؛ وأما ما أنشده الفراء للبيد :


                                                          أو مسحل عمل عضادة سمحج     بسراتها ندب له وكلوم

                                                          فقال : أوقع ( عمل ) على ( عضادة سمحج ) ، قال : ولو كانت ( عامل ) لكان أبين في العربية ، قال الأزهري : العضادة في بيت لبيد جمع العضد ، وإنما وصف عيرا وأتانه فجعل " ( عمل ) بمعنى معمل أو عامل ، ثم جعله عملا ، والله أعلم .

                                                          واستعمل فلان اللبن إذا ما بنى به بناء .

                                                          والعملة : العمل ، إذا أدخلوا الهاء كسروا الميم . والعملة والعملة : ما عمل .

                                                          والعملة : حالة العمل . ورجل خبيث العملة إذا كان خبيث الكسب . وعملة الرجل : باطنته في الشر خاصة ، وكله من العمل . وقالت امرأة من العرب : ما كان لي عملة إلا فسادكم أي : ما كان لي عمل . والعملة والعملة والعمالة والعمالة والعمالة ؛ الأخيرة عن اللحياني ، كله : أجر ما عمل . ويقال : عملت القوم عمالتهم إذا أعطيتهم إياها . وفي حديث عمر رضي الله عنه : قال لابن السعدي : خذ ما أعطيت فإني عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني . أي : أعطاني عمالتي وأجرة عملي ، يقال منه : أعملته وعملته .

                                                          قال الأزهري : العمالة بالضم رزق العامل الذي جعل له على ما قلد من العمل . وعاملت الرجل أعامله معاملة ، والمعاملة في كلام أهل العراق : هي المساقاة في كلام الحجازيين . والعملة : القوم يعملون بأيديهم ضروبا من العمل في طين أو حفر أو غيره . وعامله : سامه بعمل . والعامل في العربية : ما عمل عملا ما فرفع أو نصب أو جر ، كالفعل والناصب والجازم وكالأسماء التي من شأنها أن تعمل أيضا وكأسماء الفعل ، وقد عمل الشيء في الشيء أحدث فيه نوعا من الإعراب . وعمل به العملين : بالغ في أذاه وعمله به .

                                                          وحكى ابن الأعرابي : عمل به العملين ، بكسر العين وسكون الميم ؛ وقال ثعلب : إنما هو العملين ، بكسر العين وفتح الميم وتخفيفها . ويقال : لا تتعمل في أمر كذا كقولك لا تتعن . وقد تعملت لك أي : تعنيت من أجلك ؛ قال مزاحم العقيلي :


                                                          تكاد مغانيها تقول من البلى     لسائلها عن أهلها لا تعمل

                                                          أي : لا تتعن فليس لك فرج في سؤالك . وقال أبو سعيد : سوف أتعمل في حاجتك أي : أتعنى ؛ وقول الجعدي يصف فرسا :


                                                          وترقبه بعاملة قذوف     سريع طرفها قلق قذاها

                                                          أي : ترقبه بعين بعيدة النظر . واليعملة من الإبل : النجيبة المعتملة المطبوعة على العمل ، ولا يقال ذلك إلا للأنثى ؛ هذا قول أهل اللغة ، وقد حكى أبو علي يعمل ويعملة . واليعمل عند سيبويه : اسم ؛ لأنه لا يقال جمل يعمل ، ولا ناقة يعملة ، إنما يقال يعمل ويعملة ، فيعلم أنه يعنى بهما البعير والناقة ؛ ولذلك قال : لا نعلم يفعلا جاء وصفا ، وقال في باب ما لا ينصرف : إن سميته بيعمل جمع يعملة فحجر بلفظ الجمع أن يكون صفة للواحد المذكر ، وبعضهم يرد هذا ويجعل اليعمل وصفا . وقال كراع : اليعملة الناقة السريعة اشتق لها اسم من العمل ، والجمع يعملات ؛ وأنشد ابن بري للراجز :


                                                          يا زيد زيد اليعملات الذبل     تطاول الليل عليك فانزل

                                                          قال : وذكر النحاس في الطبقات أن هذين البيتين لعبد الله بن رواحة . وناقة عملة بينة العمالة : فارهة مثل اليعملة ، وقد عملت ؛ قال القطامي :


                                                          نعم الفتى عملت إليه مطيتي     لا نشتكي جهد السفار كلانا

                                                          وحبل مستعمل : قد عمل به ومهن . ويقال : أعملت الناقة فعملت .

                                                          وفي الحديث : لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد . أي : لا تحث ولا تساق ؛ ومنه حديث الإسراء والبراق : فعملت بأذنيها . أي : أسرعت ؛ لأنها إذا أسرعت حركت أذنيها لشدة السير . وفي حديث لقمان : يعمل الناقة والساق .

                                                          أخبر أنه قوي على السير راكبا وماشيا ، فهو يجمع بين الأمرين ، وأنه حاذق بالركوب والمشي . وعمل البرق عملا ، فهو عمل : دام ؛ قال ساعدة بن جؤية وأنشد :


                                                          حتى شآها كليل موهنا عمل

                                                          وعمل فلان على القوم : أمر . والعوامل : الأرجل ؛ قال الأزهري : عوامل الدابة قوائمه ، واحدتها عاملة . والعوامل : بقر الحرث والدياسة . وفي حديث الزكاة : ليس في العوامل شيء . العوامل من البقر : جمع عاملة ، وهي التي يستقى عليها ويحرث وتستعمل في الأشغال ، وهذا الحكم مطرد في الإبل . وعامل الرمح وعاملته : صدره دون السنان ويجمع عوامل ، وقيل : عامل الرمح ما يلي السنان ، وهو دون الثعلب . وطريق معمل أي : لحب مسلوك .

                                                          وحكى اللحياني : لم أر النفقة تعمل كما تعمل بمكة ، ولم يفسره إلا أنه أتبعه بقوله : وكما تنفق بمكة ، فعسى أن يكون الأول في هذا المعنى . وعمل : اسم رجل ؛ قالت امرأة ترقص ولدها :

                                                          أشبه أبا أمك أو أشبه عمل

                                                          وارق إلى الخيرات زنأ في الجبل

                                                          قال ابن بري : قال أبو زيد : الذي رقصه هو أبوه ، وهو قيس بن عاصم ، واسم الولد حكيم ، واسم أمه منفوسة بنت زيد الخيل ؛ وأما الذي قالته أمه فيه فهو : [ ص: 285 ]

                                                          أشبه أخي أو أشبهن أباكا     أما أبي فلن تنال ذاكا
                                                          تقصر أن تناله يداكا

                                                          قال الأزهري : والمسافرون إذا مشوا على أرجلهم يسمون بني العمل ؛ وأنشد الأصمعي :


                                                          فذكر الله وسمى ونزل     بمنزل ينزله بنو عمل
                                                          لا ضفف يشغله ولا ثقل

                                                          وبنو عاملة وبنو عميلة : حيان من العرب .

                                                          قال الأزهري : عاملة قبيلة إليها ينسب عدي بن الرقاع العاملي ، وعاملة حي من اليمن ، وهو عاملة بن سبإ ، وتزعم نساب مضر أنهم من ولد قاسط ؛ قال الأعشى :


                                                          أعامل حتى متى تذهبين     إلى غير والدك الأكرم
                                                          ووالدكم قاسط فارجعوا     إلى النسب الأتلد الأقدم

                                                          وعملى : موضع . وفي الحديث : سئل عن أولاد المشركين فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين ؛ روى ابن الأثير عن الخطابي قال : ظاهر هذا الكلام يوهم أنه لم يفت السائل عنهم وأنه رد الأمر في ذلك إلى علم الله عز وجل ، وإنما معناه أنهم ملحقون في الكفر بآبائهم ؛ لأن الله تعالى قد علم أنهم لو بقوا أحياء حتى يكبروا لعملوا عمل الكفار ، ويدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها : قلت فذراري المشركين ؟ قال : هم من آبائهم ، قلت : بلا عمل ، قال : الله أعلم بما كانوا عاملين . وقال ابن المبارك فيه : إن كل مولود إنما يولد على فطرته التي ولد عليها من السعادة والشقاوة وعلى ما قدر له من كفر وإيمان ، فكل منهم عامل في الدنيا بالعمل المشاكل لفطرته وصائر في العاقبة إلى ما فطر عليه ، فمن علامات الشقاوة للطفل أن يولد بين مشركين فيحملانه على اعتقاد دينهما ويعلمانه إياه ، أو يموت قبل أن يعقل ويصف الدين فيحكم له بحكم والديه إذ هو في حكم الشريعة تبع لهما ، وهذا فيه نظر ؛ لأنا رأينا وعلمنا أن ثم من ولد بين مشركين وحملاه على اعتقاد دينهما وعلماه ، ثم جاءت له خاتمة من إسلامه ودينه تعده من جملة المسلمين الصالحين ، وأما الذي في حديث الشعبي : أنه أتي بشراب معمول ، فقيل : هو الذي فيه اللبن والعسل والثلج .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية