الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      اليونيني

                                                                                      الزاهد العابد أسد الشام الشيخ عبد الله بن عثمان بن جعفر اليونيني .

                                                                                      كان شيخا طويلا مهيبا شجاعا حاد الحال ، كان يقوم نصف الليل إلى الفقراء ، فمن رآه نائما وله عصا اسمها العافية ضربه بها ، ويحمل القوس والسلاح ، ويلبس قبعا من جلد ماعز بصوفه ، وكان أمارا بالمعروف لا يهاب [ ص: 102 ] الملوك ، حاضر القلب ، دائم الذكر ، بعيد الصيت . كان من حداثته يخرج وينطرح في شعراء يونين فيرده السفارة إلى أمه ، ثم تعبد بجبل لبنان ، وكان يغزو كثيرا .

                                                                                      قال الشيخ علي القصار : كنت أهابه كأنه أسد ، فإذا دنوت منه وددت أن أشق قلبي وأجعله فيه .

                                                                                      قيل : إن العادل أتى والشيخ يتوضأ ، فجعل تحت سجادته دنانير ، فردها وقال : يا أبا بكر كيف أدعو لك والخمور دائرة في دمشق ، وتبيع المرأة وقية يؤخذ منها قرطيس ؟ فأبطل ذلك .

                                                                                      وقيل : جلس بين يديه المعظم وطلب الدعاء منه ، فقال : يا عيسى لا تكن نحسا مثل أبيك أظهر الزغل وأفسد على الناس المعاملة .

                                                                                      حكى الشيخ عبد الصمد قال : والله مذ خدمت الشيخ عبد الله ، ما رأيته استند ولا سعل ولا بصق .

                                                                                      قد طولت هذه الترجمة في " التاريخ الكبير " وفيها كرامات له ورياضات وإشارات ، وكان لا يقوم لأحد تعظيما لله ولا يدخر شيئا ; له ثوب خام ، ويلبس في الشتاء فروة ، وقد يؤثر بها في البرد ، وكان ربما جاع ويأكل من ورق الشجر . [ ص: 103 ] قال سبط الجوزي : كان الشيخ شجاعا ما يبالي بالرجال قلوا أو كثروا ، وكان قوسه ثمانين رطلا ، وما فاتته غزاة . وقيل : كان يقول للشيخ الفقيه تلميذه : في وفيك نزلت إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل .

                                                                                      توفي في ذي الحجة سنة سبع عشرة وستمائة وهو صائم ، وقد جاوز ثمانين سنة - رحمه الله تعالى .

                                                                                      ولأصحابه فيه غلو زائد ، وقد جعل الله لكل شيء قدرا ، والشيخ أبو عمر أجل الرجلين .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية