الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6594 ) فصل وإن جرح مسلم كافرا ، فأسلم المجروح ، ثم مات مسلما بسراية الجرح ، لم يقتل به قاتله ; لأن التكافؤ معدوم حال الجناية ، وعليه دية مسلم ; لأن اعتبار الأرش بحالة استقرار الجناية ، بدليل ما لو قطع يدي رجل ورجليه ، فسرى إلى نفسه ، دية واحدة ولو اعتبر حال الجرح ، وجب ديتان ، ولو قطع حر يد عبد ، ثم عتق ومات ، لم يجب [ ص: 219 ] قصاص ; لعدم التكافؤ حال الجناية ، وعلى الجاني دية حر اعتبارا بحال الاستقرار . وهذا قول ابن حامد ، وهو مذهب الشافعي .

                                                                                                                                            وللسيد أقل الأمرين ، من نصف قيمته ، أو نصف دية حر ، والباقي لورثته ; لأن نصف قيمته إن كانت أقل ، فهي التي وجدت في ملكه ، فلا يكون له أكثر منها ; لأن الزائد حصل بحريته ، ولا حق له فيما حصل بها ، وإن كان الأقل الدية ، لم يستحق أكثر منها ; لأن نقص القيمة حصل بسبب من جهة السيد ، وإعتاقه . وذكر القاضي ، أن أحمد نص ، في رواية حنبل ، في من فقأ عيني عبد ، ثم أعتق ومات ، أن على الجاني قيمته للسيد . وهذا يدل على أن الاعتبار بحال الجناية . وهذا اختيار . أبي بكر ، والقاضي وأبي الخطاب . قال أبو الخطاب : من قطع يد ذمي ، ثم أسلم ومات ، ضمنه بدية ذمي ، ولو قطع يد عبد ، فأعتقه سيده ومات ، فعلى الجاني قيمته للسيد ; لأن حكم القصاص معتبر بحال الجناية ، دون حال السراية ، فكذلك الدية والأول أصح ، إن شاء الله ; لأن سراية الجرح مضمونة ، فإذا أتلفت حرا مسلما ، وجب ضمانه بدية كاملة ، كما لو قتله بجرح ثان .

                                                                                                                                            وقول أحمد ، في من فقأ عيني عبد : عليه قيمته للسيد . لا خلاف فيه ، وإنما الخلاف في وجوب الزائد على القيمة من دية الحر للورثة ، ولم يذكره أحمد . ولأن الواجب مقدر بما تفضي إليه السراية دون ما تتلفه الجناية بدليل أن من قطعت يداه ورجلاه ، فسرى القطع إلى نفسه ، لم يلزم الجاني أكثر من دية ، ولو قطع إصبعا ، فسرى إلى نفسه ، لوجبت الدية كاملة ، فكذلك إذا سرت إلى نفس حر مسلم ، تجب ديته كاملة . فأما إن جرح مرتدا ، أو حربيا فسرى الجرح إلى نفسه ، فلا قصاص فيه ولا دية ، سواء أسلم قبل السراية أو لم يسلم ; لأن الجرح غير مضمون ، فلم يضمن سرايته ، بخلاف التي قبلها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية