الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 1869 ] ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين (25) أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم (26) فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين (27) قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون (28) ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون (29) ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون (30) ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين (31) قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين (32) قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين (33) ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون (34) أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون (35) وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون (36) واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون (37) ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون (38) فسوف .تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم (39) حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل (40) وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم (41) وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين (42) [ ص: 1870 ] قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين (43) وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين (44) ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين (45) قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين (46) قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين (47) قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم (48) تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين (49)

                                                                                                                                                                                                                                      القصص في هذه السورة هو قوامها; ولكنه لم يجئ فيها مستقلا، إنما جاء مصداقا للحقائق الكبرى التي جاءت السورة لتقريرها. والتي أجملها السياق في مطلع السورة: كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير، ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير، وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى، ويؤت كل ذي فضل فضله، وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير، إلى الله مرجعكم. وهو على كل شيء قدير ..

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تضمن مطلع السورة جولات متعددة حول هذه الحقائق. جولات في ملكوت السماوات والأرض، وفي جنبات النفس، وفي ساحة الحشر.. ثم أخذ في هذه الجولة الجديدة في جنبات الأرض وأطواء التاريخ مع قصص الماضين.. يستعرض حركة العقيدة الإسلامية في مواجهة الجاهلية على مدار القرون.

                                                                                                                                                                                                                                      والقصص هنا مفصل بعض الشيء - وبخاصة قصة نوح والطوفان - وهو يتضمن الجدل حول حقائق العقيدة التي وردت في مطلع السورة، والتي يجيء كل رسول لتقريرها، وكأنما المكذبون هم المكذبون، وكأنما طبيعتهم واحدة، وعقليتهم واحدة على مدار التاريخ.

                                                                                                                                                                                                                                      ويتبع القصص في هذه السورة خط سير التاريخ، فيبدأ بنوح، ثم هود ، ثم صالح ، ويلم بإبراهيم في الطريق إلى لوط، ثم شعيب، ثم إشارة إلى موسى .. ويشير إلى الخط التاريخي، لأنه يذكر التالين بمصير السالفين على التوالي بهذا الترتيب:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 1871 ] ونبدأ بقصة نوح مع قومه. أول هذا القصص في السياق. وأوله في التاريخ:

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية