الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب إجارة رحا الماء

( قال رحمه الله وإذا استأجر رجل رحا ماء والبيت الذي هو فيه وهو متاعها كل شهر بأجر مسمى فهو جائز ) ; لأنه غير منتفع به واستئجاره متعارف فإن انقطع الماء عنها فلم يعمل رفع عنه الأجر بحساب ذلك لزوال تمكنه من الانتفاع على الوجه الذي استأجره فإنه إنما استأجره ليطحن فيها بالماء دون الثور وبانقطاع المال زال تمكنه من ذلك وبدون التمكن من الانتفاع لا يجب الأجر فله أن ينقض الإجارة لتغير شرط العقد عليه فإن لم ينقضها حتى عاد الماء لزمته الإجارة فيما بقي من الشهر ، وإن كان قد بقي واحد فلم يكن له أن ينقضها لزوال العذر وتمكنه من الانتفاع فيما بقي من المدة ، ولأن هذه الإجارة في حكم عقود متفرقة لا يثبت الخيار لتفرق الصفقة ، وإن اختلفا في مقدار ما كان الماء منقطعا فالقول قول المستأجر ; لأنهما يتفقان أنه لم [ ص: 16 ] يستوف جميع المعقود عليه ، وإنما اختلفا في مقدار ما استوفى فرب الرحا يدعي زيادة في ذلك والمستأجر منكر ذلك ، ولو قال المؤاجر لم ينقطع الماء فإنه بحكم الحال فيه فإن كان الماء منقطعا في الحال فالقول قول المستأجر ، وإن كان جاريا فالقول قول المؤاجر مع يمينه على عمله ; لأنه إذا كان منقطعا في الحال فالظاهر أنه كان منقطعا فيما مضى .

وإن كان جاريا في الحال فالظاهر أنه كان جاريا فيما مضى ، وفي الخصومات القول قول من يشهد له الظاهر توضيحه إنا قد عرفنا الماء جاريا عند العقد والبناء على الظاهر واستصحاب الحال أصل ما لم يعلم خلافه . فإذا علمنا انقطاع الماء في الحال بقدر استصحاب الحال فاعتبرنا الدعوى والإنكار فرب الرحا يدعي تسليم المعقود عليه والمستأجر منكر فالقول قوله .

فأما إذا كان جاريا في الحال فاستصحاب الحال ممكن فجعلنا رب الرحا مسلما للمعقود عليه بهذا الطريق ; ولهذا كان القول قوله مع يمينه على عمله ; لأن الاستحلاف على ما لم يكن في يده ولا من عمله فيكون على العلم ، وإن كان استأجر جميع ذلك بعشرة دراهم كل شهر فطحن فيها في الشهر بثلاثين درهما فربح عشرين درهما فإن كان المستأجر هو الذي يقوم على الرحا والطعام ، أو أجيره ، أو عبده فالربح له طيب ; لأن الفضل بمقابلة منافعه ، وإن كان رب الطعام هو الذي يلي ذلك لم يطلب الربح للمستأجر إلا أن يكون قد عمله فيها عملا تنتفع بها الرحا من كري النهر ، أو نقر الرحا وغير ذلك فحينئذ يجعل الفضل بمقابلة عمله فيطيب له فقد جعل نقر الرحا معتبرا بجعل الفضل بمقابلته ولم يجعل كنس البيت فيما سبق معتبرا في ذلك ; لأن كنس البيت ليس بزيادة في البيت ، ولأن التمكن من الانتفاع باعتباره .

فأما نقر الرحا وكري النهر بعد زيادة المستأجر ، وبه يتمكن من الانتفاع . وإذا استأجر موضعا على نهر ليبني عليه بناء ويتخذ عليه رحا ماء على أن الحجارة والمتاع والحديد والبناء من عند المستأجر فهو جائز ; لأنه استأجر الأرض لمنفعة معلومة فإن انقطع ماء النهر فلم يطحن ولم يفسخ الإجارة فالأجر لازم له ; لأن المعقود عليه منفعة الأرض وهي باقية بعد انقطاع الماء والمستأجر مستوفي بما يشغل الأرض بمتاعه بخلاف الأول فهناك المعقود عليه منفعة الرحا لعمل الطحن والتمكن منه يزول بانقطاع الماء إلا أن هنا له أن يفسخ الإجارة للعذر فإن مقصوده استيفاء منفعة لا يتم ذلك بدون جريان الماء . وفي إلزام العقد إياه بعد انقطاع الماء ضرر فيكون ذلك عذرا له في الفسخ .

التالي السابق


الخدمات العلمية