الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

في الإشارة إلى ما في الغزوة

من الفقه واللطائف

كانت صلح الحديبية مقدمة وتوطئة بين يدي هذا الفتح العظيم ، أمن الناس به وكلم بعضهم بعضا وناظره في الإسلام وتمكن من اختفى من المسلمين بمكة من إظهار دينه ، والدعوة إليه ، والمناظرة عليه ، ودخل بسببه بشر كثير في الإسلام ، ولهذا سماه الله فتحا في قوله : ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) [ الفتح : 1 ] ، نزلت في شأن الحديبية ، فقال عمر : يا رسول الله أوفتح هو ؟ قال : " نعم " . وأعاد سبحانه وتعالى ذكر كونه فتحا ، فقال : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ) إلى قوله : ( فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا ) [ الفتح : 27 ] وهذا شأنه - سبحانه - أن يقدم بين يدي الأمور العظيمة مقدمات تكون كالمدخل إليها ، المنبهة عليها ، كما قدم بين يدي قصة المسيح ، وخلقه من غير أب ، قصة زكريا وخلق الولد له مع كونه كبيرا لا يولد لمثله ، وكما قدم بين يدي نسخ القبلة قصة البيت وبنائه وتعظيمه ، والتنويه به وذكر بانيه وتعظيمه ومدحه ، ووطأ قبل ذلك كله بذكر النسخ وحكمته المقتضية له ، وقدرته الشاملة له ، وهكذا ما قدم بين يدي مبعث رسوله - صلى الله عليه وسلم - من قصة الفيل ، وبشارات الكهان به ، وغير ذلك ، وكذلك الرؤيا الصالحة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت مقدمة بين يدي [ ص: 370 ] الوحي في اليقظة ، وكذلك الهجرة كانت مقدمة بين يدي الأمر بالجهاد ، ومن تأمل أسرار الشرع والقدر ، رأى من ذلك ما تبهر حكمته الألباب .

التالي السابق


الخدمات العلمية