الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : قال ابن عباس : حرم الله تعالى في هذه الآية من النسب سبعا ومن الصهر سبعا ، وهذا صحيح ; وهو أصل المحرمات ، ووردت من جهة مبينة لجميعها بأخصر لفظ وأدل معنى فهمته الصحابة وخبرته العلماء .

                                                                                                                                                                                                              ونحن نفصل ذلك بالبيان فنقول : الأم : عبارة عن كل امرأة لها عليك ولادة ، ويرتفع نسبك إليها بالبنوة ، كانت منك على عمود الأب أو على عمود الأم ، وكذلك من فوقك . والبنت : عبارة عن كل امرأة لك عليها ولادة تنتسب إليك بواسطة أو بغير واسطة إذا كان مرجعها إليك . والأخت : عبارة عن كل امرأة شاركتك في أصليك : أبيك وأمك ، ولا تحرم أخت الأخت إذا لم تكن لك أختا ; فقد يتزوج الرجل المرأة ولكل واحد منهما ولد ثم يقدر بينهما ولد . [ ص: 479 ] سحنون : هو أن يزوج الرجل ولده من غيرها بنتها من غيره . وتفسيرها أن يكون لرجل اسمه زيد زوجتان عمرة وخالدة ، وله من عمرة ولد اسمه عمرو ، ومن خالدة بنت اسمها سعادة ، ولخالدة زوج اسمه عمرو ، وله منها بنت اسمها حسناء ، فزوج زيد ولده عمرا من حسناء ، وهي أخت أخت عمرو ، وهذه صورتها لتكون أثبت في النفوس . العمة : هي عبارة عن كل امرأة شاركت أباك ما علا في أصليه . الخالة : هي كل امرأة شاركت أمك ما علت في أصليها ، أو في أحدهما على تقدير تعلق الأمومة كما تقدم ، ومن تفصيله تحريم عمة الأب وخالته ; لأن عمة الأب أخت الجد ، والجد أب ، وأخته عمة ، وخالة الأب أخت جدته لأمه ، والجدة أم ، فأختها خالة ، وكذلك عمة الأم أخت جدها لأبيها ، وجدها أب وأخته عمة ، وخالة أمها جدته . والجدة أم وأختها خالة ; وتتركب عليه عمة العمة ; لأنها عمة الأب كذلك ، وخالة العمة خالة الأم كذلك ، وخالة الخالة خالة الأم ، وكذلك عمة الخالة عمة الأم ; فتضمن هذا كله قوله تعالى : { وعماتكم وخالاتكم } بالاعتلاء في الاحترام ، ولم يتضمنه آية الفرائض بالاشتراك في المواريث ، لسعة الحجر في التحريم وضيق الاشتراك في الأموال . فعرق التحريم يسري حيث اطرد ، وسبب الميراث يقف أين ورد ، ولا تحرم أم العمة ولا أخت الخالة ; وصورة ذلك كما قررنا لك في الأخت . بنت الأخ ، وبنت الأخت : عبارة عن كل امرأة لأخيك أو لأختك عليها ولادة ، وترجع إليها بنسبة ; فهذه الأصناف النسبية السبعة . وأما الأصناف الصهرية السبعة : { أمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة } وهما محرمتان بالقرآن ، ولم يذكر من المحرم بالرضاعة في القرآن سواهما . والأم أصل والأخت فرع ; فنبه بذلك على جميع الأصول والفروع ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة } . [ ص: 480 ]

                                                                                                                                                                                                              وثبت في الصحاح عن علي أنه قال : { قلت : يا رسول الله ; مالك تنوق في قريش وتدعنا ؟ قال : وعندكم شيء ؟ قلت : نعم ، ابنة حمزة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها ابنة أخي من الرضاعة } . ومثله في الصحة والمعنى حديث { أم حبيبة قالت : يا رسول الله ; إني لست لك بمخلية ، وأحب من شركني في خير أختي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن ذلك لا يحل لي قلت : فإنا نتحدث أنك تنكح ابنة أبي سلمة . قال : ابنة أم سلمة ؟ قلت : نعم . قال : إنها لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي ، إنها ابنة أخي ، أرضعتني أنا وأبا سلمة ثويبة ، فلا تعرضن علي بناتكم ولا أخواتكن } . قال ابن العربي : وثويبة هي التي أرضعت حمزة أيضا ، فروي أن هذا الرضاع كان في وقت واحد . وروي أنه كان في وقتين لاتفاق أهل السير على أن حمزة كان أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم بعامين ، وقيل بأربع .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية