الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والالتفات ) لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت { سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد } .

                                                                                        وروى الترمذي وصححه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم { إياك والالتفات في الصلاة فإن الالتفات في الصلاة هلكة فإن كان لا بد ففي التطوع لا في الفريضة } ثم المذكور في عامة الكتب أن الالتفات المكروه هو تحويل وجهه عن القبلة وممن صرح به صاحب البدائع والنهاية والغاية والتبيين وفتح القدير والمجتبى والكافي وشرح المجمع وقيده في الغاية بأن يكون لغير عذر أما تحويل الوجه لعذر فغير مكروه ، وينبغي أن تكون تحريمية كما هو ظاهر الأحاديث قالوا وإنما كره لغير عذر لأنه انحراف عن القبلة ببعض بدنه ولو انحرف عنها [ ص: 23 ] بجميع بدنه فسدت فإن انحرف ببعض بدنه كره كالعمل القليل فإنه مكروه لأن كثيره مفسد ويدل لعدم فسادها بهذا الالتفات قوله في الحديث { يختلسها الشيطان من صلاة العبد } فإنه سماها صلاة معه وإنما لم يكره للعذر لحديث مسلم عن جابر { اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا } وقد صرحوا بأن التفات البصر يمنة ويسرة من غير تحويل الوجه أصلا غير مكروه مطلقا والأولى تركه لغير حاجة والظاهر أن فعله عليه السلام إياه كان لحاجة تفقد أحوال المقتدين به مع ما فيه من بيان الجواز وإلا فهو كان ينظر من خلفه كما ينظر أمامه كما في الصحيحين

                                                                                        وقد خالف صاحب الخلاصة عامة الكتب في الالتفات المكروه فجعله مفسدا وعبارته ولو حول المصلي وجهه عن القبلة من غير عذر فسدت وكذا في الخانية وجعل فيها الالتفات المكروه أن يحول بعض وجهه عن القبلة والأشبه ما في عامة الكتب من أن الالتفات المكروه أعم من تحويل جميع الوجه أو بعضه وذكر في منية المصلي أن كراهة الالتفات بالوجه فيما إذا استقبل من ساعته يعني فلو لم يستقبل من ساعته فسدت وكأنه جمع بين ما في الفتاوى وبين ما في عامة الكتب بحمل ما في الفتاوى على ما إذا لم يستقبل من ساعته وحمل ما في العامة على ما إذا استقبل من ساعته وكأنه ناظر إلى أنه إذا لم يستقبل من ساعته صار عملا كثيرا فأفسدها وإذا استقبل من ساعته كان عملا قليلا فكره وهو بعيد فإن الاستدامة على هذا القليل لا يجعله كثيرا وإنما كثيره تحويل صدره وقد صرحوا بالفساد عند تحويل الصدر ولا بد من تقييده بعدم العذر كما في منية المصلي لتصريحهم كما سبق بأنه لو ظن أنه أحدث فاستدبر القبلة ثم علم أنه لم يحدث قبل الخروج من المسجد لا تبطل ومقتضى القواعد المذهبية اشتراط أن يؤدي ركنا وهو مستدبر لما صرحوا به من أن انكشاف العورة إنما يفسدها إذا لم يستتر من ساعته حتى أدى ركنا أما إذا سترها قبل أداء الركن فلا فكذا استقبال القبلة بجامع الشرطية والمكث قدر أداء الركن فيه خلاف بين أبي يوسف ومحمد فأبو يوسف لا يجعله كأداء الركن ومحمد جعله كما عرف وذكر الشارح أنه يكره رفع بصره إلى السماء لقوله عليه السلام { ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة لينتهن أو لتخطفن أبصارهم } وفي التجنيس ويكره أن يميل أصابع يديه ورجليه عن القبلة لأنه مأمور بتوجيهها قال عليه السلام { فليوجه من أعضائه إلى القبلة ما استطاع }

                                                                                        [ ص: 23 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 23 ] ( قوله والأولى تركه لغير حاجة ) أي فيكون مكروها تنزيها كما هو مرجع خلاف الأولى كما مر وبه صرح في النهر وفي الزيلعي وشرح الملتقى للباقاني أنه مباح { لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يلاحظ أصحابه في صلاته بموق عينيه } ولعل المراد عند عدم الحاجة فلا ينافي ما هنا ( قوله وكأنه جمع إلخ ) قال في النهر فيه بحث ا هـ .

                                                                                        وفي شرح نظم الكنز للعلامة المقدسي لكن ظهر لي والله سبحانه وتعالى أعلم أن مراد الخلاصة بتحويل الوجه المفسد تحويل جميعه عن القبلة وذلك يلزم منه تحويل الصدر لأن الوجه ليس بمستو بل فيه استدارة فإذا حول عن القبلة بأن أزيل بعضه عن مسامتتها كالجانب الأيمن منه بقي الجانب الأيسر منه مسامتا فلا تفسد فإذا حول الجميع كان الصدر أيضا محولا فتفسد الصلاة ولهذا قالوا في باب استقبال القبلة لا تفسد إلا بتحوله من المشارق إلى المغارب فليتأمل . ا هـ .

                                                                                        قلت ويشعر بذلك جعل الخانية الالتفات المكروه أن يحول بعض وجهه ولعل هذا مراد النهر بالبحث فيما قاله المؤلف ( قوله ومقتضى القواعد المذهبية إلخ ) كأنه لم ير فيه نقلا صريحا وقد رأيت في الحاوي القدسي ما ظاهره ذلك حيث قال في مفسدات الصلاة وكذا استدبار القبلة وانكشاف العورة مقدار أداء ركن من غير عذر




                                                                                        الخدمات العلمية