الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
الإبدال

من كلامهم إبدال الحروف وإقامة بعضها مقام بعض ؛ يقولون : مدحه ومدهه ، وهو كثير ألف فيه المصنفون ، وجعل منه ابن فارس قوله تعالى : فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ( الشعراء : 63 ) [ ص: 446 ] فقال : فالراء واللام متعاقبان كما تقول العرب : فلق الصبح وفرقه ، قال : وذكر عن الخليل ولم أسمعه سماعا أنه قال في قوله تعالى : فجاسوا خلال الديار ( الإسراء : 5 ) إنما أراد " فحاسوا " ، فقامت الجيم مقام الحاء .

قال ابن فارس : وما أحسب الخليل قال هذا ، ولا أحقه عنه .

قلت : ذكر ابن جني في " المحتسب " أنها قراءة أبو السمال ، وقال : قال أبو زيد أو غيره : قلت له : إنما هو " فجاسوا " فقال : حاسوا وجاسوا واحد . وهذا يدل على أن بعض القراء يتخير بلا رواية ، ولذلك نظائر . انتهى .

وهذا الذي قاله ابن جني غير مستقيم ، ولا يحل لأحد أن يقرأ إلا بالرواية ، وقوله : إنهما بمعنى واحد لا يوجب القراءة بغير الرواية كما ظنه أبو الفتح ، وقائل ذلك والقارئ به هو أبو السوار الغنوي لا أبو السمال ، فاعلم ذلك .

كذلك أسنده الحافظ أبو عمرو الداني فقال : حدثنا المازني قال : سألت أبا السوار الغنوي ، فقرأ " فحاسوا " بالحاء غير الجيم ، فقلت : إنما هو " فجاسوا " قال : حاسوا وجاسوا واحد . ويعني أن اللفظين بمعنى واحد ، وإن كان أراد أن القراءة بذلك تجوز في الصلاة ، والغرض كما جازت بالأولى فقد غلط في ذلك وأساء .

وزعم الفارسي في تذكرته في قوله : إني أحببت حب الخير ( ص 32 ) أنه [ ص: 447 ] بمعنى حب الخيل ، وسميت الخيل خيرا لما يتصل بها من العز والمنعة ، كما روي : الخيل معقود بنواصيها الخير وحينئذ فالمصدر مضاف إلى المفعول به .

وقيل في قوله تعالى : وأرسلنا الرياح لواقح ( الحجر : 22 ) : إن أصله " ملاقح " ؛ لأنه يقال : ألقحت الريح السحاب ؛ أي : جمعته ، وكل هذا تفسير معنى ، وإلا فالواجب صون القرآن أن يقال فيه مثل ذلك .

وذكر أبو عبيدة في قوله : إلا مكاء وتصدية ( الأنفال : 35 ) معناه " تصددة " ، فأخرج الدال الثانية ياء لكسر الدال الأولى ، كما حكاه صاحب " الترقيص " .

وحكي عن أبي رياش في قول امرئ القيس :

فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي معناه " تنسلل " ، فأخرج اللام الثانية ياء لكسرة اللام الأولى ، ومثله قول الآخر :


وإني لأستنعي وما بي نعسة     لعل خيالا منك يلقى خياليا

أراد أستنعس ، فأخرج السين ياء .

[ ص: 448 ] وقال الفارسي في " التذكرة " : قرأ أبو الحسن أو من قرأ له قوله تعالى فيما حكى عن يعقوب في القلب والإبدال : فمن اضطر غير باغ ولا عاد ( الأنعام : 145 ) غير عائد ، واستحسنه الفارسي ألا يعود إليه كما يعود في حال السعة من العشاء إلى الغداء .

وقيل في قوله تعالى : وخرقوا له بنين وبنات بغير علم ( الأنعام : 100 ) إن خرقه واخترقه وخلقه واختلقه بمعنى واحد ، هو قول أهل الكتابين في المسيح وعزير ، وقول قريش في الملائكة .

وجوز الزمخشري كونه من خرق الثوب : إذا شقه ، أي : أنهم اشتقوا له بنين وبنات .

التالي السابق


الخدمات العلمية