الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 179 ] باب التصرف في الرهن والجناية عليه وجنايته على غيره قال ( وإذا باع الراهن الرهن بغير إذن المرتهن فالبيع موقوف ) لتعلق حق الغير به وهو المرتهن فيتوقف على إجازته ، وإن كان الراهن يتصرف في ملكه كمن أوصى بجميع ماله تقف على إجازة الورثة فيما زاد على الثلث لتعلق حقهم به ( فإن أجاز المرتهن جاز ) ; لأن التوقف لحقه وقد رضي بسقوطه ( وإن قضاه الراهن دينه جاز أيضا ) ; لأنه زال المانع من النفوذ والمقتضي موجود وهو التصرف الصادر من الأهل في المحل ( وإذا نفذ البيع بإجازة المرتهن ينتقل حقه إلى بدله هو الصحيح ) ; لأن حقه تعلق بالمالية ، والبدل له حكم المبدل فصار كالعبد المديون المأذون إذا بيع برضا الغرماء ينتقل حقهم إلى البدل ; لأنهم رضوا بالانتقال دون السقوط رأسا فكذا هذا [ ص: 180 ] ( وإن لم يجز المرتهن البيع وفسخه انفسخ في رواية ، حتى لو افتك الراهن الرهن لا سبيل للمشتري عليه ) ; لأن الحق الثابت للمرتهن بمنزلة الملك فصار كالمالك له أن يجيز وله أن يفسخ ( وفي أصح الروايتين لا ينفسخ بفسخه ) ; لأنه لو ثبت حق الفسخ له إنما يثبت ضرورة صيانة حقه ، وحقه في الحبس لا يبطل بانعقاد هذا العقد فبقي موقوفا ، فإن شاء المشتري صبر حتى يفتك الراهن الرهن ; إذ العجز على شرف الزوال ، وإن شاء رفع الأمر إلى القاضي ، وللقاضي أن يفسخ لفوات القدرة على التسليم ، وولاية الفسخ إلى القاضي لا إليه ، وصار كما إذا أبق العبد المشترى قبل القبض فإنه يتخير المشتري لما ذكرنا كذلك هذا ( ولو باعه الراهن من رجل ثم باعه بيعا ثانيا من غيره قبل أن يجيزه المرتهن فالثاني موقوف أيضا على إجازته ) ; لأن الأول لم ينفذ والموقوف لا يمنع توقف الثاني ، فلو أجاز المرتهن البيع الثاني جاز الثاني .

[ ص: 179 ]

التالي السابق


[ ص: 179 ] باب التصرف في الرهن والجناية عليه وجنايته على غيره )

لما كان التصرف في الرهن ، والجناية عليه وجنايته على غيره متأخرا طبعا عن كونه رهنا أخره وضعا ليوافق الوضع الطبع ( قوله وإذا باع الراهن بغير إذن المرتهن فالبيع موقوف ) اختلفت عبارة محمد فيه

في موضع قال : بيع المرهون فاسد ، وفي موضع قال : جائز

والصحيح أنه جائز موقوف

وقوله فاسد محمول على ما لم يجز ، فإن القاضي يفسده إذا خوصم إليه وطلب المشتري التسليم

وقوله جائز محمول على ما إذا أجازه وسلمه ، كذا في العناية وغيرها من الشروح

قال بعض الفضلاء : ويجوز أن يقال قوله فاسد محمول على المبالغة في التشبيه ، فإنه كالفاسد في عدم ترتب الحكم في الفعل ، أو أنه مجاز على سبيل المشارفة فإنه على شرف أن يفسد إذا لم يجزه انتهى

أقول : لا يخفى على ذي فطرة سليمة أن هذين التأويلين ليسا بتأويل فقهي بل هما من قبيل التأويل اللغوي الذي فيه نوع إلغاز وتعمية فلا يناسب أصحاب هذا الفن سيما في موضع الكشف والبيان ( قوله لتعلق حق الغير به وهو المرتهن فيتوقف على إجازته ، وإن كان الراهن يتصرف في ملكه ) أقول : في تمام هذا القدر من التعليل نظر ، [ ص: 180 ] فإنه ينتقض بما إذا أعتق الراهن عبد الرهن فإنه ينفذ عتقه كما سيأتي في الكتاب مع جريان هذا التعليل هناك أيضا

فالوجه في التعليل ها هنا أن يقال لانعدام القدرة على التسليم لتعلق حق الغير به وهو المرتهن فيتوقف على إجازته ; ألا يرى أن المصنف إنما فصل بين هذه المسألة ومسألة الإعتاق بانعدام القدرة على التسليم حيث قال في آخر تعليل المسألة : مسألة الإعتاق من قبل [ ص: 181 ] أصحابنا ، وامتناع النفاذ في البيع والهبة لانعدام القدرة على التسليم تدبر




الخدمات العلمية