الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير

                                                                                                                                                                                                روي أنهم طعنوا في النسخ، فقالوا: ألا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر ثم ينهاهم [ ص: 309 ] عنه ويأمرهم بخلافه، ويقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا؟ فنزلت، وقرئ: (ما ننسخ من آية)، وما (ننسخ) بضم النون من أنسخ، أو ننسأها، وقرئ: (ننسها) و(ننسها) بالتشديد، و(تنسها)، و(تنسها) على خطاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقرأ عبد الله : (ما ننسك من آية أو ننسخها) وقرأ حذيفة : (ما ننسخ من آية أو ننسكها).

                                                                                                                                                                                                ونسخ الآية: إزالتها بإبدال أخرى مكانها، وإنساخها الأمر بنسخها، وهو أن يأمر جبريل -عليه السلام- بأن يجعلها منسوخة بالإعلام بنسخها، ونسؤها تأخيرها وإذهابها لا إلى بدل، وإنساؤها أن يذهب بحفظها عن القلوب، والمعنى أن كل آية يذهب بها على ما توجبه المصلحة - من إزالة لفظها وحكمها معا، أو من إزالة أحدهما إلى بدل أو غير بدل - "نأت": بآية خير منها للعباد، أي: بآية العمل بها أكثر للثواب أو مثلها في ذلك على كل شيء قدير : فهو يقدر على الخير، وما هو خير منه، وعلى مثله في الخير له ملك السماوات والأرض فهو يملك أموركم يدبرها ويجريها على حسب ما يصلحكم، وهو أعلم بما يتعبدكم به من ناسخ ومنسوخ، لما بين لهم أنه مالك أمورهم ومدبرها - على حسب مصالحهم من نسخ الآيات وغيره، وقررهم على ذلك بقوله: ألم تعلم - أراد أن يوصيهم بالثقة به فيما هو أصلح لهم مما يتعبدهم به وينزل عليهم، وأن لا يقترحوا على رسولهم ما اقترحه آباء اليهود على موسى -عليه السلام- من الأشياء التي كانت عاقبتها وبالا عليهم كقولهم: اجعل لنا إلها [الأعراف: 138] أرنا الله جهرة [النساء: 153] وغير ذلك.

                                                                                                                                                                                                ومن يتبدل الكفر بالإيمان : ومن ترك الثقة بالآيات المنزلة وشك فيها واقترح غيرها فقد ضل سواء السبيل روي أن فنحاص بن عازوراء وزيد بن قيس ونفرا من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أحد: ألم تروا ما أصابكم، ولو كنتم على الحق ما هزمتم، فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم وأفضل، ونحن أهدى منكم سبيلا، فقال عمار : كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا: شديد. قال: فإني قد عاهدت أن لا أكفر بمحمد ما عشت. فقالت اليهود: أما هذا فقد صبأ، وقال حذيفة : وأما أنا فقد رضيت بالله ربا، وبمحمد نبيا، وبالإسلام دينا، وبالقرآن إماما، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانا. ثم أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبراه فقال: "أصبتما خيرا وأفلحتما" فنزلت.

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: بم تعلق قوله: من عند أنفسهم ؟ قلت: فيه وجهان:

                                                                                                                                                                                                أحدهما: أن يتعلق بـ"ود" على [ ص: 310 ] معنى أنهم تمنوا أن ترتدوا عن دينكم، وتمنيهم ذلك من عند أنفسهم ومن قبل شهوتهم، لا من قبل التدين والميل مع الحق; لأنهم ودوا ذلك من بعد ما تبين لهم أنكم على الحق، فكيف يكون تمنيهم من قبل الحق؟!

                                                                                                                                                                                                وإما أن يتعلق بـ(حسدا) أي: حسدا متبالغا منبعثا من أصل أنفسهم فاعفوا واصفحوا : فاسلكوا معهم سبيل العفو والصفح عما يكون منهم من الجهل والعداوة، حتى يأتي الله بأمره الذي هو قتل بني قريظة، وإجلاء بني النضير وإذلالهم بضرب الجزية عليهم إن الله على كل شيء قدير : فهو يقدر على الانتقام منهم.

                                                                                                                                                                                                من خير : من حسنة صلاة أو صدقة أو غيرهما، تجدوه عند الله : تجدوا ثوابه عند الله، إن الله بما تعملون بصير : عالم، لا يضيع عنده عمل عامل.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية