الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
2- التعريف والتنكير :

للتنكير مقامات : منها : إرادة الوحدة كقوله : وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى ، أي رجل واحد - أو إرادة النوع كقوله : ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ، أي نوع من الحياة ، وهو طلب الزيادة في المستقبل ، لأن الحرص لا يكون على الماضي ولا على الحاضر - أو هما معا كقوله : والله خلق كل دابة من ماء ، أي كل نوع من أنواع الدواب من أنواع الماء ، وكل فرد من أفراد الدواب من فرد من أفراد النطف - أو التعظيم كقوله : فأذنوا بحرب من الله ، أي حرب عظيمة - أو التكثير كقوله : إن لنا لأجرا ، أي أجرا وافرا - أو هما معا كقوله : وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك ، أي رسل عظام ذوو عدد كثير - أو التحقير كقوله : من أي شيء خلقه ، أي من شيء هين حقير مهين - أو التقليل كقوله : وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ، أي رضوان قليل منه أكبر من الجنات لأنه رأس كل سعادة .

وأما التعريف فله مقامات تختلف باختلاف كل نوع من أنواع التعريف .

ويكون بالإضمار لأن المقام مقام المتكلم ، أو الخطاب ، أو الغيبة وبالعلمية لإحضاره بعينه في ذهن السامع ابتداء باسم يخصه - أو لتعظيمه كقوله : محمد رسول الله ، أو إهانته كقوله : تبت يدا [ ص: 190 ] أبي لهب وتب ، وبالإشارة لبيان حاله في القرب كقوله : هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ، أو لبيان حاله في العبد كقوله : وأولئك هم المفلحون ، أو لقصد تحقيره بالقرب كقوله : وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب ، أو لقصد تعظيمه بالبعد كقوله : ذلك الكتاب لا ريب فيه ، أو التنبيه على أن المشار إليه المعقب بأوصاف جدير بما يرد بعده من أجلها كقوله : هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ، وبالموصول لكراهة ذكره باسمه سترا عليه ، أو غير ذلك كقوله : والذي قال لوالديه أف لكما ، وقوله : وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ، أو لإرادة العموم كقوله : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ، أو الاختصار كقوله : يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا ، إذ لو عدد أسماء القائلين لطال الكلام - وبالألف واللام للإشارة إلى معهود ذكري ، كقوله : الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري ، أو معهود ذهني كقوله : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ، أو معهود حضوري كقوله : اليوم أكملت لكم دينكم ، أو لاستغراق الإفراد كقوله : إن الإنسان [ ص: 191 ] لفي خسر ، بدليل الاستثناء - أو لاستغراق خصائص الإفراد كقوله : ذلك الكتاب ، أي الكتاب الكامل في الهداية الجامع لجميع صفات الكتب المنزلة بخصائصها ، أو لتعريف الماهية والحقيقة والجنس ، كقوله : وجعلنا من الماء كل شيء حي .

وإذا ذكر الاسم مرتين فله أربع أحوال : لأنه إما أن يكونا معرفتين ، أو نكرتين ، أو الأول نكرة والثاني معرفة ، أو بالعكس .

1- فإن كانا معرفتين فالثاني هو الأول غالبا كقوله : اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم .

2- وإن كانا نكرتين فالثاني غير الأول غالبا كقوله : الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة ، فإن المراد بالضعف الأول النطفة ، وبالثاني الطفولية ، وبالثالث الشيخوخة ، وقد اجتمع القسمان في قوله تعالى : فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ، ولذلك روي عن ابن عباس : " لن يغلب عسر يسرين " لأن العسر الثاني أعاده بـ " الـ " ، فكان عين الأول ، ولما كان اليسر الثاني غير الأول لم يعده بـ " الـ " .

3- وإن كان الأول نكرة ، والثاني معرفة ، فالثاني هو الأول حملا على العهد . كقوله : كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول .

4- وإن كان الأول معرفة ، والثاني نكرة ، توقف المراد على القرائن ، فتارة تقوم قرينة على التغاير . كقوله : ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا [ ص: 192 ] غير ساعة ، وتارة تقوم قرينة على الاتحاد ، كقوله : ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا . "

التالي السابق


الخدمات العلمية