الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6656 ) فصل : إذا زاد مستوفي القصاص في النفس على حقه ، مثل أن يقتل وليه ، فيقطع المقتص أطرافه أو بعضها ، نظرنا ; فإن عفا عنه بعد قطع طرفه ، فعليه ضمان ما أتلف بديته . وبهذا قال أبو حنيفة . وقال مالك ، والشافعي ، وابن المنذر ، وأبو يوسف ، ومحمد : لا ضمان عليه ، ولكن قد أساء ، ويعزر ، وسواء عفا عن القاتل أو قتله ; لأنه قطع [ ص: 243 ] طرفا من جملة استحق إتلافها ، فلم يضمنه ، كما لو قطع أصبعا من يد يستحق قطعها .

                                                                                                                                            ولنا ، أنه قطع طرفا له قيمة حال القطع بغير حق ، فوجب عليه ضمانه ، كما لو عفا عنه ثم قطعه ، أو كما لو قطعه أجنبي . فأما إن قطعه ثم قتله ، احتمل أن يضمنه أيضا ; لأنه يضمنه إذا عفا عنه ، فكذلك إذا لم يعف عنه ، لأن العفو إحسان ، فلا يكون موجبا للضمان ، واحتمل أن لا يضمنه . وهو قول أبي حنيفة ; لأنه لو قطع متعديا ثم قتل ، لم يضمن الطرف ، فلأن يضمنه إذا كان القتل مستحقا أولى . فأما القصاص ، فلا يجب في العرف بحال . ولا نعلم في هذا خلافا ; لأن القصاص عقوبة تدرأ بالشبهات ، والشبهة هاهنا متحققة ، لأنه متحقق لإتلاف هذا الطرف ضمنا لاستحقاقه إتلاف الجملة ، ولا يلزم من سقوط القصاص أن لا تجب الدية ، بدليل امتناعه لعدم المكافآت .

                                                                                                                                            فأما إن كان الجاني قطع طرفه ثم قتله ، فاستوفى منه بمثل فعله ، فقد ذكرناه فيما مضى . وإن قطع طرفا غير الذي قطعه الجاني ، كان الجاني قطع يده ; فقطع المستوفي رجله ، احتمل أن يكون بمنزلة ما لو قطع يده ; لأن ديتهما واحدة ، واحتمل أن تلزمه دية الرجل ; لأن الجاني لم يقطعها ، فأشبه ما لو لم يقطع يده .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية