الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6660 ) مسألة : قال : ( وإن كانت الجراح برأت قبل قتله ، فعلى المعفو عنه ثلاث ديات ، إلا أن يريدوا القود ، فيقيدوا ويأخذوا من ماله ديتين ) أما إذا قطع يديه ورجليه فبرأت جراحه ، ثم قتله ، فقد استقر حكم القطع ، ولولي القتيل الخيار ، إن شاء عفا وأخذ ثلاث ديات ; دية لنفسه ، ودية ليديه ، ودية لرجليه ، وإن شاء قتله قصاصا بالقتل ، وأخذ ديتين لأطرافه . وإن أحب قطع أطرافه الأربعة ، وأخذ دية لنفسه . وإن أحب قطع يديه ، وأخذ ديتين لنفسه ورجليه . وإن أحب قطع رجليه ، وأخذ ديتين لنفسه ويديه . وإن أحب قطع طرفا واحدا ، وأخذ دية الباقي . وإن أحب قطع ثلاثة أطراف ، وأخذ دية الباقي . وكذلك سائر فروعها ; لأن حكم القطع استقر قبل القتل بالاندمال ، فلم يتغير حكمه بالقتل الحادث بعده ، كما لو قتله أجنبي ، ولا نعلم في هذا مخالفا .

                                                                                                                                            ( 6661 ) فصل : فإن اختلف الجاني والولي في اندمال الجرح قبل القتل ، وكانت المدة بينهما يسيرة ، لا يحتمل اندماله في مثلها ، فالقول قول الجاني بغير يمين . وإن اختلفا في مضي المدة ، فالقول قول الجاني مع يمينه ; لأن الأصل عدم مضيها ، وإن كانت المدة مما يحتمل البرء فيها ، فالقول قول الولي مع يمينه ; لأنه قد وجد سبب وجوب دية اليدين بقطعهما ، والجاني يدعي سقوط ديتهما بالقتل ، والأصل عدم ذلك . فإن كانت للجاني بينة ببقاء المجني عليه ضمنا حتى قتله ، حكم له ببينته ، وإن كان للولي بينة ببرئه ، حكم له أيضا ، وإن تعارضتا ، قدمت بينة الولي ; لأنها مثبتة للبرء .

                                                                                                                                            ويحتمل أن يكون القول قول الجاني ، إذا لم يكن لهما بينة ; لأن الأصل بقاء الجراحة ، وعدم اندمالها . وإن قطع أطرافه فمات ، واختلفا ، هل برأ قبل الموت ، أو مات بسراية الجرح ؟ أو قال الولي : إنه مات بسبب آخر ، كأن لدغ ، أو ذبح نفسه ، أو ذبحه غيره . فالحكم فيما إذا مات بغير سبب آخر ، كالحكم فيما إذا قتله ، سواء . وأما إذا مات بقتل أو سبب آخر ، ففيه وجهان ; أحدهما ، تقديم قول الجاني ; لأن الظاهر بقاء الجناية ، والأصل عدم سبب آخر ، فيكون الظاهر معه . والثاني : القول قول ولي الجناية ، لأن الأصل بقاء الديتين اللتين وجد سببهما ، حتى يوجد ما يزيلهما . فإن كانت دعواهما بالعكس ، فقال الولي : مات من سراية قطعك ، فعليك القصاص في النفس . فقال الجاني : بل اندملت جراحه قبل موته . أو ادعى موته بسبب آخر ، فالقول قول الولي مع يمينه ; لأن الجرح سبب للموت ، وقد تحقق ، والأصل عدم الاندمال ، وعدم سبب آخر يحصل الزهوق به ، وسواء كان الجرح فيما يجب به القصاص في الطرف ، كقطع اليد من مفصل ولا يوجبه ، كالجائفة والقطع من غير مفصل . وهذا كله مذهب الشافعي .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية