الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عور ]

                                                          عور : العور : ذهاب حس إحدى العينين ، وقد عور عورا وعار يعار واعور ، وهو أعور ، صحت العين في عور لأنه في معنى ما لا بد من صحته ، وهو أعور بين العور ، والجمع عور وعوران ؛ وأعور الله عين فلان وعورها ، وربما قالوا : عرت عينه . وعورت عينه واعورت إذا ذهب بصرها ؛ قال الجوهري : إنما صحت الواو في عورت عينه لصحتها في أصله ، وهو اعورت ، لسكون ما قبلها ثم حذفت الزوائد الألف والتشديد فبقي عور ، يدل على أن ذلك أصله مجيء أخواته [ ص: 331 ] على هذا : اسود يسود واحمر يحمر ، ولا يقال في الألوان غيره ؛ قال : وكذلك قياسه في العيوب اعرج واعمي في عرج وعمي ، وإن لم يسمع ، والعرب تصغر الأعور عويرا ، ومنه قولهم : كسير وعوير وكل غير خير . قالالجوهري : ويقال في الخصلتين المكروهتين : كسير وعوير وكل غير خير ، وهو تصغير أعور مرخما . قال الأزهري : عارت عينه تعار وعورت تعور واعورت تعور واعوارت تعوار بمعنى واحد . ويقال : عار عينه يعورها إذا عورها ؛ ومنه قول الشاعر :


                                                          فجاء إليها كاسرا جفن عينه فقلت له من عار عينك عنتره



                                                          يقول : من أصابها بعوار ؟ ويقال : عرت عينه أعورها وأعارها من العائر . قال ابن بزرج : يقال عار الدمع يعير عيرانا إذا سال ؛ وأنشد :


                                                          وربت سائل عني حفي     أعارت عينه أم لم تعارا



                                                          أي : أدمعت عينه ؟ قال الجوهري : وقد عارت عينه تعار ، وأورد هذا البيت :


                                                          وسائلة بظهر الغيب عني     أعارت عينه أم لم تعارا



                                                          قال : أراد تعارن ، فوقف بالألف ؛ قال ابن بري : أورد هذا البيت على عارت أي : عورت ، قال : والبيت لعمرو بن أحمر الباهلي ؛ قال : والألف في آخر تعارا بدل من النون الخفيفة ، أبدل منها ألفا لما وقف عليها ، ولهذا سلمت الألف التي بعد العين إذ لو لم يكن بعدها نون التوكيد لانحذفت ، وكنت تقول لم تعر كما تقول لم تخف ، وإذا ألحقت النون ثبتت الألف فقلت : لم تخافن لأن الفعل مع نون التوكيد مبني فلا يلحقه جزم . وقولهم : بدل أعور ؛ مثل يضرب للمذموم يخلف بعد الرجل المحمود . وفي حديث أم زرع : فاستبدلت بعده وكل بدل أعور ؛ هو من ذلك ، قال عبد الله بن همام السلولي لقتيبة بن مسلم ، وولي خراسان بعد يزيد بن المهلب :


                                                          أقتيب قد قلنا غداة أتيتنا     بدل لعمرك من يزيد أعور



                                                          وربما قالوا : خلف أعور ؛ قال أبو ذؤيب :


                                                          فأصبحت أمشي في ديار كأنها     خلاف ديار الكاملية عور



                                                          كأنه جمع خلفا على خلاف مثل جبل وجبال . قال : والاسم العورة . وعوران قيس : خمسة شعراء عور ، وهم الأعور الشني والشماخ ، وتميم بن أبي بن مقبل وابن أحمر و حميد بن ثور الهلالي . وبنو الأعور : قبيلة ، سموا بذلك لعور أبيهم ؛ فأما قوله : في بلاد الأعورينا ؛ فعلى الإضافة كالأعجمين وليس بجمع أعور لأن مثل هذا لا يسلم عند سيبويه . وعاره وأعوره وعوره : صيره كذلك ؛ فأما قول جبلة :


                                                          وبعت لها العين الصحيحة بالعور



                                                          فإنه أراد العوراء فوضع المصدر موضع الصفة ، ولو أراد العور الذي هو العرض لقابل الصحيحة وهي جوهر بالعور ، وهو عرض ، وهذا قبيح في الصنعة وقد يجوز أن يريد العين الصحيحة بذات العور فحذف ، وكل هذا ليقابل الجوهر بالجوهر لأن مقابلة الشيء بنظيره أذهب في الصنع والأشرف في الوضع ؛ فأما قول أبي ذؤيب :


                                                          فالعين بعدهم كأن حداقها     سملت بشوك فهي عور تدمع



                                                          فعلى أنه جعل كل جزء من الحدقة أعور أو كل قطعة منها عوراء ، وهذه ضرورة ، وإنما آثر أبو ذؤيب هذا لأنه لو قال : فهي عورا تدمع ، لقصر الممدود فرأى ما عمله أسهل عليه وأخف . وقد يكون العور في غير الإنسان ؛ قال سيبويه : حدثنا بعض العرب أن رجلا من بني أسد قال يوم جبلة : واستقبله بعير أعور فتطير ، فقال : يا بني أعور وذا ناب ، فاستعمل الأعور للبعير ، ووجه نصبه أنه لم يرد أن يسترشدهم ليخبروه عن عوره وصحته ، ولكنه نبههم كأنه قال : أتستقبلون أعور وذا ناب ؟ فالاستقبال في حال تنبيهه إياهم كان واقعا كما كان التلون والتنقل عندك ثابتين في الحال الأول ، وأراد أن يثبت الأعور ليحذروه ، فأما قول سيبويه في تمثيل النصب أتعورون فليس من كلام العرب ، إنما أراد أن يرينا البدل من اللفظ به بالفعل فصاغ فعلا ليس من كلام العرب ؛ ونظير ذلك قوله في الأعيار من قول الشاعر :


                                                          أفي السلم أعيارا جفاء وغلظة     وفي الحرب أشباه النساء العوارك



                                                          أتعيرون ، وكل ذلك إنما هو ليصوغ الفعل مما لا يجري على الفعل أو مما يقل جريه عليه . والأعور : الغراب ، على التشاؤم به ، لأن الأعور عندهم مشئوم ، وقيل : لخلاف حاله لأنهم يقولون أبصر من غراب ، قالوا : وإنما سمي الغراب أعور لحدة بصره ، كما يقال للأعمى أبو بصير وللحبشي أبو البيضاء ، ويقال للأعمى بصير وللأعور الأحول . قال الأزهري : رأيت في البادية امرأة عوراء يقال لها حولاء ؛ قال : والعرب تقول للأحول العين أعور ، وللمرأة الحولاء هي عوراء ، ويسمى الغراب عويرا على ترخيم التصغير ؛ قال : سمي الغراب أعور ويصاح به فيقال عوير عوير ؛ وأنشد :


                                                          وصحاح العيون يدعون عورا



                                                          وقوله أنشده ثعلب :


                                                          ومنهل أعور إحدى العينين     بصير أخرى وأصم الأذنين



                                                          فسره فقال : معنى أعور إحدى العينين أي : فيه بئران فذهبت واحدة فذلك معنى قوله أعور إحدى العينين ، وبقيت واحدة فذلك معنى قوله بصير أخرى ، وقوله أصم الأذنين أي : ليس يسمع فيه صدى . قال شمر : عورت عيون المياه إذا دفنتها وسددتها ، وعورت الركية إذا كبستها بالتراب حتى تنسد عيونها . وفلاة عوراء : لا ماء بها . وعور عين الركية : أفسدها حتى نضب الماء . وفي حديث عمر وذكر امرأ القيس فقال : افتقر عن معان عور ؛ العور جمع أعور وعوراء وأراد به المعاني الغامضة الدقيقة ، وهو من عورت الركية وأعرتها وعرتها إذا طممتها وسددت أعينها التي ينبع منها الماء . وفي حديث علي : أمره أن يعور آبار بدر أي : يدفنها ويطمها ؛ وقد عارت الركية تعور . وقال ابن الأعرابي : العوار البئر التي لا يستقى منها . قال : وعورت الرجل [ ص: 332 ] إذا استسقاك فلم تسقه . قال الجوهري : ويقال للمستجيز الذي يطلب الماء إذا لم تسقه : قد عورت شربه ؛ قال الفرزدق :


                                                          متى ما ترد يوما سفار تجد به     أديهم يرمي المستجيز المعورا



                                                          سفار : اسم ماء . والمستجيز : الذي يطلب الماء . ويقال : عورته عن الماء تعويرا أي : حلأته . وقال أبو عبيدة : التعوير الرد . عورته عن حاجته : رددته عنها . وطريق أعور : لا علم فيه كأن ذلك العلم عينه ، وهو مثل . والعائر : كل ما أعل العين فعقر ، سمي بذلك لأن العين تغمض له ولا يتمكن صاحبها من النظر لأن العين كأنها تعور . وما رأيت عائر عين أي : أحدا يطرف العين فيعورها . وعائر العين : ما يملؤها من المال حتى يكاد يعورها . وعليه من المال عائرة عينين وعيرة عينين ؛ كلاهما عن اللحياني ، أي : ما يكاد من كثرته يفقأ عينيه ، وقال مرة : يريد الكثرة كأنه يملأ بصره . قال أبو عبيد : يقال للرجل إذا كثر ماله : ترد على فلان عائرة عين وعائرة عينين أي : ترد عليه إبل كثيرة كأنها من كثرتها تملأ العينين حتى تكاد تعورهما أي : تفقؤهما . وقال أبو العباس : معناه أنه من كثرتها تعير فيها العين ؛ قال الأصمعي : أصل ذلك أن الرجل من العرب في الجاهلية كان إذا بلغ إبله ألفا عار عين بعير منها ، فأرادوا بعائرة العين ألفا من الإبل تعور عين واحد منها . قال الجوهري : وعنده من المال عائرة عين أي : يحار فيه البصر من كثرته كأنه يملأ العين فيعورها . والعائر كالطعن أو القذى في العين : اسم كالكاهل والغارب ، وقيل : العائر الرمد ، وقيل : العائر بثر يكون في جفن العين الأسفل ، وهو اسم لا مصدر بمنزلة النالج والناعر والباطل ، وليس اسم فاعل ولا جاريا على معتل ، وهو كما تراه معتل . وقال الليث : العائر غمصة تمض العين كأنما وقع فيها قذى ، وهو العوار . قال : وعين عائرة ذات عوار ؛ قال : ولا يقال في هذا المعنى عارت ، إنما يقال عارت إذا عورت ، والعوار - بالتشديد - كالعائر ، والجمع عواوير : القذى في العين ؛ يقال : بعينه عوار أي : قذى ؛ فأما قوله :


                                                          وكحل العينين بالعواور



                                                          فإنما حذف الياء للضرورة ، ولذلك لم يهمز لأن الياء في نية الثبات ، فكما كان لا يهمزها والياء ثابتة كذلك لم يهمزها والياء في نية الثبات . وروى الأزهري عن اليزيدي : بعينه ساهك وعائر ، وهما من الرمد . والعوار : الرمد . والعوار : الرمص الذي في الحدقة . والعوار : اللحم الذي ينزع من العين بعدما يذر عليه الذرور ، وهو من ذلك . والعوراء : الكلمة القبيحة أو الفعلة القبيحة ، وهو من هذا لأن الكلمة أو الفعلة كأنها تعور العين فيمنعها ذلك من الطموح وحدة النظر ، ثم حولوها إلى الكلمة والفعلة على المثل ، وإنما يريدون في الحقيقة صاحبها ؛ قال ابن عنقاء الفزاري يمدح ابن عمه عميلة وكان عميلة هذا قد جبره من فقر :


                                                          إذا قيلت العوراء أغضى كأنه     ذليل بلا ذل ولو شاء لانتصر



                                                          وقال آخر :


                                                          حملت منه على عوراء طائشة     لم أسه عنها ولم أكسر لها فزعا



                                                          قال أبو الهيثم : يقال للكلمة القبيحة عوراء ، وللكلمة الحسناء : عيناء ؛ وأنشد قول الشاعر :


                                                          وعوراء جاءت من أخ فرددتها     بسالمة العينين طالبة عذرا



                                                          أي : بكلمة حسنة لم تكن عوراء . وقال الليث : العوراء الكلمة التي تهوي في غير عقل ولا رشد . قال الجوهري : الكلمة العوراء القبيحة ، وهي السقطة قال حاتم طيء :


                                                          وأغفر عوراء الكريم ادخاره     وأعرض عن شتم اللئيم تكرما



                                                          أي : لادخاره . وفي حديث عائشة - رضي الله عنها : يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب ولا يتوضأ من العوراء يقولها ؟ ! أي : الكلمة القبيحة الزائغة عن الرشد . وعوران الكلام : ما تنفيه الأذن ، وهو منه ، الواحدة عوراء ؛ عن أبي زيد ، وأنشد :


                                                          وعوراء قد قيلت فلم أستمع لها     وما الكلم العوران لي بقتول



                                                          وصف الكلم بالعوران لأنه جمع وأخبر عنه بالقتول ، وهو واحد لأن الكلم يذكر ويؤنث ، وكذلك كل جمع لا يفارق واحده إلا بالهاء ولك فيه كل ذلك . والعور : شين وقبح . والأعور : الرديء من كل شيء . وفي الحديث : لما اعترض أبو لهب على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند إظهار الدعوة قال له أبو طالب : يا أعور ما أنت وهذا ؟ لم يكن أبو لهب أعور ولكن العرب تقول الذي ليس له أخ من أمه وأبيه أعور ، وقيل : إنهم يقولون للرديء من كل شيء من الأمور والأخلاق أعور ، وللمؤنث منه عوراء . والأعور : الضعيف الجبان البليد الذي لا يدل ولا يندل ولا خير فيه ؛ عن ابن الأعرابي ، وأنشد للراعي :


                                                          إذا هاب جثمانه الأعور



                                                          يعني بالجثمان سواد الليل ومنتصفه ، وقيل : هو الدليل السيء الدلالة . والعوار أيضا : الضعيف الجبان السريع الفرار كالأعور ، وجمعه عواوير ؛ قال الأعشى :


                                                          غير ميل ولا عواوير في الهي     جا ولا عزل ولا أكفال



                                                          قال سيبويه : لم يكتف فيه بالواو والنون لأنهم قلما يصفون به المؤنث فصار كمفعال ومفعيل ولم يصر كفعال ، وأجروه مجرى الصفة فجمعوه بالواو والنون كما فعلوا ذلك في حسان وكرام . والعوار أيضا : الذين حاجاتهم في أدبارهم ؛ عن كراع . قال الجوهري : جمع العوار الجبان العواوير ، قال : وإن شئت لم تعوض في الشعر فقلت العواور ؛ وأنشد عجز بيت للبيد يخاطب عمه ويعاتبه :


                                                          وفي كل يوم ذي حفاظ بلوتني     فقمت مقاما لم تقمه العواور



                                                          [ ص: 333 ] وقال أبو علي النحوي : إنما صحت فيه الواو مع قربها من الطرف لأن الياء المحذوفة للضرورة مرادة فهي في حكم ما في اللفظ ، فلما بعدت في الحكم من الطرف لم تقلب همزة . ومن أمثال العرب السائرة : أعور عينك والحجر . والإعوار : الريبة . ورجل معور : قبيح السريرة . ومكان معور : مخوف . وهذا مكان معور أي : يخاف فيه القطع . وفي حديث أبي بكر - رضي الله عنه : قال مسعود بن هنيدة : رأيته وقد طلع في طريق معورة أي : ذات عورة يخاف فيها الضلال والانقطاع . وكل عيب وخلل في شيء ، فهو عورة . وشيء معور وعور : لا حافظ له . والعوار والعوار - بفتح العين وضمها : خرق أو شق في الثوب ، وقيل : هو عيب فيه فلم يعين ذلك ؛ قال ذو الرمة :


                                                          تبين نسبة المرئي لؤما     كما بينت في الأدم العوارا



                                                          وفي حديث الزكاة : لا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ؛ قال ابن الأثير : العوار - بالفتح - العيب ، وقد يضم . والعورة : الخلل في الثغر وغيره ، وقد يوصف به منكورا فيكون للواحد ، والجمع بلفظ واحد . وفي التنزيل العزيز : إن بيوتنا عورة فأفرد الوصف والموصوف جمع ، وأجمع القراء على تسكين الواو من ( عورة ) ، ولكن في شواذ القراءات ( عورة ) على فعلة ، وإنما أرادوا : إن بيوتنا عورة أي : ممكنة للسراق لخلوها من الرجال فأكذبهم الله - عز وجل - فقال : وما هي بعورة ولكن يريدون الفرار ؛ وقيل معناه : إن بيوتنا عورة أي : معورة أي : بيوتنا مما يلي العدو ونحن نسرق منها فأعلم الله أن قصدهم الهرب . قال : ومن قرأها ( عورة ) فمعناها ذات عورة . إن يريدون إلا فرارا المعنى : ما يريدون تحرزا من سرق ولكن يريدون الفرار عن نصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قيل : إن بيوتنا عورة أي : ليست بحريزة ، ومن قرأ ( عورة ) ذكر وأنث ، ومن قرأ ( عورة ) قال في التذكير والتأنيث ، والجمع عورة كالمصدر . قال الأزهري : العورة في الثغور وفي الحروب خلل يتخوف منه القتل . وقال الجوهري : العورة كل خلل يتخوف منه من ثغر أو حرب . والعورة : كل مكمن للستر . وعورة الرجل والمرأة : سوأتهما ، والجمع عورات - بالتسكين - والنساء عورة ؛ قال الجوهري : إنما يحرك الثاني من فعلة في جمع الأسماء إذا لم يكن ياء أو واوا ، وقرأ بعضهم : ( على عورات النساء ) بالتحريك . والعورة : الساعة التي هي قمن من ظهور العورة فيها ، وهي ثلاث ساعات : ساعة قبل صلاة الفجر ، وساعة عند نصف النهار ، وساعة بعد العشاء الآخرة . وفي التنزيل : ثلاث عورات لكم أمر الله - تعالى - الولدان والخدم أن لا يدخلوا في هذه الساعات إلا بتسليم منهم واستئذان . وكل أمر يستحيا منه : عورة . وفي الحديث : يا رسول الله ، عوراتنا ما نأتي منها وما نذر ؟ العورات : جمع عورة ، وهي كل ما يستحيا منه إذا ظهر ، وهي من الرجل ما بين السرة والركبة ، ومن المرأة الحرة جميع جسدها إلا الوجه واليدين إلى الكوعين ، وفي أخمصها خلاف ، ومن الأمة مثل الرجل ، وما يبدو منها في حال الخدمة كالرأس والرقبة والساعد فليس بعورة . وستر العورة في الصلاة وغير الصلاة واجب ، وفيه عند الخلوة خلاف . وفي الحديث : المرأة عورة ؛ جعلها نفسها عورة لأنها إذا ظهرت يستحيا منها كما يستحيا من العورة إذا ظهرت . والمعور : الممكن البين الواضح . وأعور لك الصيد أي : أمكنك . وأعور الشيء : ظهر وأمكن ؛ عن ابن الأعرابي ؛ وأنشد لكثير :


                                                          كذاك أذود النفس يا عز عنكم     وقد أعورت أسرار من لا يذودها



                                                          أعورت : أمكنت ، أي : من لم يذد نفسه عن هواها فحش إعوارها وفشت أسرارها . وما يعور له شيء إلا أخذه أي : يظهر . والعرب تقول : أعور منزلك إذا بدت منه عورة ، وأعور الفارس إذا كان فيه موضع خلل للضرب ؛ وقال الشاعر يصف الأسد :


                                                          له الشدة الأولى إذا القرن أعورا



                                                          وفي حديث علي - رضي الله عنه : لا تجهزوا على جريح ولا تصيبوا معورا ؛ هو من أعور الفارس إذا بدا فيه موضع خلل للضرب . وعاره يعوره أي : أخذه وذهب به . وما أدري أي : الجراد عاره أي : أي الناس أخذه ؛ لا يستعمل إلا في الجحد ، وقيل : معناه وما أدري أي الناس ذهب به ، ولا مستقبل له . قال يعقوب : وقال بعضهم يعوره ، وقال أبو شبل : يعيره ، وسيذكر في الياء أيضا . وحكى اللحياني : أراك عرته وعرته أي : ذهبت به . قال ابن جني : كأنهم إنما لم يكادوا يستعملون مضارع هذا الفعل لما كان مثلا جاريا في الأمر المنقضي الفائت ، وإذا كان كذلك فلا وجه لذكر المضارع هاهنا لأنه ليس بمنقض ولا ينطقون فيه بيفعل ، ويقال : معنى عاره أي : أهلكه . ابن الأعرابي : تعور الكتاب إذا درس . وكتاب أعور : دارس . قال : والأعور الدليل السيء الدلالة لا يحسن أن يدل ولا يندل ؛ وأنشد :


                                                          ما لك يا أعور لا تندل     وكيف يندل امرؤ عتول



                                                          ويقال : جاءه سهم عائر فقتله ، وهو الذي لا يدرى من رماه ؛ وأنشد أبو عبيد :


                                                          أخشى على وجهك يا أمير     عوائرا من جندل تعير



                                                          وفي الحديث : أن رجلا أصابه سهم عائر فقتله ؛ أي : لا يدرى من رماه . والعائر من السهام والحجارة : الذي لا يدرى من رماه ؛ وفي ترجمة نسأ : وأنشد لمالك بن زغبة الباهلي :


                                                          إذا انتسؤوا فوت الرماح أتتهم     عوائر نبل كالجراد نطيرها



                                                          قال ابن بري : عوائر نبل أي : جماعة سهام متفرقة لا يدرى من أين أتت . وعاور المكاييل وعورها : قدرها ، وسيذكر في الياء لغة في عايرها . والعوار : ضرب من الخطاطيف أسود طويل الجناحين ، وعم الجوهري فقال : العوار - بالضم والتشديد - الخطاف ؛ وينشد :


                                                          كما انقض تحت الصيق عوار



                                                          الصيق : الغبار . والعوارى : شجرة يؤخذ جراؤها فتشدخ ثم تيبس ثم تذرى ثم تحمل في الأوعية إلى مكة فتباع ويتخذ منها مخانق . قال ابن سيده : والعوار شجرة تنبت نبتة الشرية ولا تشب ، وهي [ ص: 334 ] خضراء ، ولا تنبت إلا في أجواف الشجر الكبار . ورجلة العوراء : بالعراق بميسان . والعارية والعارة : ما تداولوه بينهم ؛ وقد أعاره الشيء وأعاره منه وعاوره إياه . والمعاورة والتعاور : شبه المداولة والتداول في الشيء يكون بين اثنين ؛ ومنه قول ذي الرمة :


                                                          وسقط كعين الديك عاورت صاحبي     أباها وهيأنا لموقعها وكرا



                                                          يعني الزند وما يسقط من نارها ؛ وأنشد ابن المظفر :


                                                          إذا رد المعاور ما استعارا

                                                          وفي حديث صفوان بن أمية : عارية مضمونة مؤداة ، العارية يجب ردها إجماعا مهما كانت عينها باقية ، فإن تلفت وجب ضمان قيمتها عند الشافعي ، ولا ضمان فيها عند أبي حنيفة . وتعور واستعار : طلب العارية . واستعاره الشيء واستعاره منه : طلب منه أن يعيره إياه ؛ هذه عن اللحياني . وفي حديث ابن عباس وقصة العجل : من حلي تعوره بنو إسرائيل أي : استعاروه . يقال : تعور واستعار نحو تعجب واستعجب . وحكى اللحياني : أرى ذا الدهر يستعيرني ثيابي ، قال : يقوله الرجل إذا كبر وخشي الموت . واعتوروا الشيء وتعوروه وتعاوروه : تداولوه فيما بينهم ؛ قال أبو كبير :


                                                          وإذا الكماة تعاوروا طعن الكلى     نذر البكارة في الجزاء المضعف



                                                          قال الجوهري : إنما ظهرت الواو في اعتوروا لأنه في معنى تعاوروا فبني عليه كما ذكرنا في تجاوروا . وفي الحديث : يتعاورون على منبري أي : يختلفون ويتناوبون كلما مضى واحد خلفه آخر . يقال : تعاور القوم فلانا إذا تعاونوا عليه بالضرب واحدا بعد واحد . قال الأزهري : وأما العارية والإعارة والاستعارة فإن قول العرب فيها : هم يتعاورون العواري ويتعورونها - بالواو - كأنهم أرادوا تفرقة بين ما يتردد من ذات نفسه وبين ما يردد . قال : والعارية منسوبة إلى العارة ، وهو اسم من الإعارة . تقول : أعرته الشيء أعيره إعارة وعارة ، كما قالوا : أطعته إطاعة وطاعة وأجبته إجابة وجابة ؛ قال : وهذا كثير في ذوات الثلاثة ، منها العارة والدارة والطاقة وما أشبهها . ويقال : استعرت منه عارية فأعارنيها ؛ قال الجوهري : العارية - بالتشديد - كأنها منسوبة إلى العار لأن طلبها عار وعيب ؛ وينشد :


                                                          إنما أنفسنا عارية     والعواري قصار أن ترد



                                                          العارة : مثل العارية ؛ قال ابن مقبل :


                                                          فأخلف وأتلف إنما المال عارة     وكله مع الدهر الذي هو آكله



                                                          واستعاره ثوبا فأعاره إياه ؛ ومنه قولهم : كير مستعار ؛ وقال بشر بن أبي خازم :


                                                          كأن حفيف منخره إذا ما     كتمن الربو كير مستعار



                                                          قيل : في قوله ( مستعار ) قولان : أحدهما أنه استعير فأسرع العمل به مبادرة لارتجاع صاحبه إياه ، والثاني أن تجعله من التعاور . يقال : استعرنا الشيء واعتورناه وتعاورناه بمعنى واحد ، وقيل : مستعار بمعنى متعاور أي : متداول . ويقال : تعاور القوم فلانا واعتوروه ضربا إذا تعاونوا عليه فكلما أمسك واحد ضرب واحد ، والتعاور عام في كل شيء . وتعاورت الرياح رسم الدار حتى عفته أي : تواظبت عليه ؛ قال ذلك الليث ؛ قال الأزهري : وهذا غلط ، ومعنى تعاورت الرياح رسم الدار أي : تداولته ، فمرة تهب جنوبا ومرة شمالا ومرة قبولا ومرة دبورا ؛ ومنه قول الأعشى :


                                                          دمنة قفرة تعاورها الصي     ف بريحين من صبا وشمال



                                                          قال أبو زيد : تعاورنا العواري تعاورا إذا أعار بعضكم بعضا ، وتعورنا تعورا إذا كنت أنت المستعير ، وتعاورنا فلانا ضربا إذا ضربته مرة ثم صاحبك ثم الآخر . وقال ابن الأعرابي : التعاور والاعتوار أن يكون هذا مكان هذا ، وهذا مكان هذا . يقال : اعتوراه وابتداه هذا مرة وهذا مرة ، ولا يقال ابتد زيد عمرا ولا اعتور زيد عمرا . أبو زيد : عورت عن فلان ما قيل له تعويرا وعويت عنه تعوية أي : كذبت عنه ما قيل له تكذيبا ورددت . وعورته عن الأمر : صرفته عنه . والأعور : الذي قد عور ولم تقض حاجته ولم يصب ما طلب وليس من عور العين ؛ وأنشد للعجاج :


                                                          وعور الرحمن من ولى العور



                                                          ويقال : معناه أفسد من ولاه وجعله وليا للعور ، وهو قبح الأمر وفساده . تقول : عورت عليه أمره تعويرا أي : قبحته عليه . والعور : ترك الحق . ويقال : عاوره الشيء أي : فعل به مثل ما فعل صاحبه به . وعورات الجبال : شقوقها ؛ وقول الشاعر :


                                                          تجاوب بومها في عورتيها     إذا الحرباء أوفى للتناجي

                                                          قال ابن الأعرابي : أراد عورتي الشمس وهما مشرقها ومغربها . وإنها لعوراء القر : يعنون سنة أو غداة أو ليلة ؛ حكي ذلك عن ثعلب . وعوائر من الجراد : جماعات متفرقة . والعوار : العيب ؛ يقال : سلعة ذات عوار - بفتح العين وقد تضم . وعوير والعوير : اسم رجل ؛ قال امرؤ القيس :


                                                          عوير ومن مثل العوير ورهطه     وأسعد في ليل البلابل صفوان



                                                          وعوير : اسم موضع . والعوير : موضع على قبلة الأعورية ، هي قرية بني محجن المالكيين ؛ قال القطامي :


                                                          حتى وردن ركيات العوير وقد     كاد الملاء من الكتان يشتعل



                                                          وابنا عوار : جبلان ؛ قال الراعي :


                                                          بل ما تذكر من هند إذا احتجبت     يا ابني عوار وأمسى دونها بلع



                                                          وقال أبو عبيدة : ابنا عوار نقوا رمل . وتعار : جبل بنجد ؛ قال كثير :


                                                          وما هبت الأرواح تجري وما ثوى     مقيما بنجد عوفها وتعارها



                                                          قال ابن سيده : وهذه الكلمة يحتمل أن تكون في الثلاثي الصحيح والثلاثي المعتل .

                                                          [ ص: 335 ]

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية