الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ عوض ]

                                                          عوض : العوض : البدل ؛ قال ابن سيده : وبينهما فرق لا يليق ذكره في هذا المكان ، والجمع أعواض ، عاضه منه وبه . والعوض : مصدر قولك عاضه عوضا وعياضا ومعوضة وعوضه وأعاضه ؛ عن ابن جني : وعاوضه ، والاسم المعوضة . وفي حديث أبي هريرة : فلما أحل الله ذلك للمسلمين ، يعني الجزية ، عرفوا أنه قد عاضهم أفضل مما خافوا . تقول : عضت فلانا وأعضته وعوضته إذا أعطيته بدل ما ذهب منه ، وقد تكرر في الحديث . والمستقبل التعويض . وتعوض منه ، واعتاض : أخذ العوض ، واعتاضه منه واستعاضه وتعوضه ، كله : سأله العوض . وتقول : اعتاضني فلان إذا جاء طالبا للعوض والصلة ، واستعاضني كذلك ؛ وأنشد :


                                                          نعم الفتى ومرغب المعتاض والله يجزي القرض بالأقراض

                                                          وعاضه : أصاب منه العوض . وعضت : أصبت عوضا ؛ قال أبو محمد الفقعسي :


                                                          هل لك والعارض منك عائض     في هجمة يسئر منها القابض



                                                          ويروى : في مائة ، ويروى : يغدر أي : يخلف . يقال : غدرت الناقة إذا تخلفت عن الإبل ، وأغدرها الراعي . والقابض : السائق الشديد السوق . قال الأزهري : أي هل لك في العارض منك على الفضل في مائة يسئر منها القابض ؟ قال : هذا رجل خطب امرأة فقال أعطيك مائة من الإبل يدع منها الذي يقبضها من كثرتها ، يدع بعضها فلا يطيق شلها ، وأنا معارضك أعطي الإبل وآخذ نفسك فأنا عائض أي : قد صار العوض منك كله لي ؛ قال الأزهري : قوله عائض من عضت أي : أخذت عوضا ، قال : لم أسمعه لغير الليث . وعائض من عاض يعوض إذا أعطى ، والمعنى هل لك في هجمة أتزوجك عليها . والعارض منك : المعطي عوضا ، عائض أي : معوض عوضا ترضينه وهو الهجمة من الإبل ، وقيل : عائض في هذا البيت فاعل بمعنى مفعول مثل عيشة راضية بمعنى مرضية . وتقول : عوضته من هبته خيرا . وعاوضت فلانا بعوض في المبيع والأخذ والإعطاء ، تقول : اعتضته كما تقول أعطيته ، وتقول : تعاوض القوم تعاوضا أي : ثاب مالهم وحالهم بعد قلة : وعوض يبنى على الحركات الثلاث : الدهر - معرفة - علم بغير تنوين ، والنصب أكثر وأفشى ؛ وقال الأزهري : تفتح وتضم ، ولم يذكر الحركة الثالثة . وحكي عن الكسائي عوض - بضم الضاد غير منون - دهر ، قال الجوهري : عوض معناه الأبد وهو للمستقبل من الزمان كما أن قط للماضي من الزمان لأنك تقول عوض لا أفارقك ، تريد لا أفارقك أبدا ، كما تقول قط ما فارقتك ، ولا يجوز أن تقول عوض ما فارقتك كما لا يجوز أن تقول قط ما أفارقك . قال ابن كيسان : قط . وعوض حرفان مبنيان على الضم ، قط لما مضى من الزمان وعوض لما يستقبل ، تقول : ما رأيته قط يا فتى ، ولا أكلمك عوض يا فتى ؛ وأنشد الأعشى - رحمه الله تعالى :


                                                          رضيعي لبان ثدي أم تحالفا     بأسحم داج عوض لا نتفرق



                                                          أي : لا نتفرق أبدا ، وقيل : هو بمعنى قسم . يقال : عوض لا أفعله ، يحلف بالدهر والزمان . وقال أبو زيد : عوض في بيت الأعشى أي : أبدا ، قال : وأراد بأسحم داج الليل ، وقيل : أراد بأسحم داج سواد حلمة ثدي أمه ، وقيل : أراد بالأسحم هنا الرحم ، وقيل : سواد الحلمة ؛ يقول : هو والندى رضعا من ثدي واحد ؛ وقال ابن الكلبي : عوض في بيت الأعشى اسم صنم كان لبكر بن وائل ؛ وأنشد لرشيد بن رميض العنزي :


                                                          حلفت بمائرات حول عوض     وأنصاب تركن لدى السعير



                                                          قال : والسعير اسم صنم لعنزة خاصة ، وقيل : عوض كلمة تجري مجرى اليمين . ومن كلامهم : لا أفعله عوض العائضين ، ولا دهر الداهرين أي : لا أفعله أبدا . قال : ويقال ما رأيت مثله عوض أي : لم أر مثله قط ؛ وأنشد :


                                                          فلم أر عاما عوض أكثر هالكا     ووجه غلام يشترى وغلامه



                                                          ويقال : عاهده أن لا يفارقه عوض أي : أبدا . ويقول الرجل لصاحبه : [ ص: 337 ] عوض لا يكون ذلك أبدا ، فلو كان عوض اسما للزمان إذا لجرى بالتنوين ، ولكنه حرف يراد به القسم كما أن أجل ونحوها مما لم يتمكن في التصريف حمل على غير الإعراب . وقولهم : لا أفعله من ذي عوض أي : أبدا كما تقول من ذي قبل ومن ذي أنف أي : فيما يستقبل ، أضاف الدهر إلى نفسه . قال ابن جني : ينبغي أن تعلم أن العوض من لفظ عوض الذي هو الدهر ، ومعناه أن الدهر إنما هو مرور النهار والليل والتقاؤهما وتصرم أجزائهما ، وكلما مضى جزء منه خلفه جزء آخر يكون عوضا منه ، فالوقت الكائن الثاني غير الوقت الماضي الأول ، قال : فلهذا كان العوض أشد مخالفة للمعوض منه من البدل ؛ قال ابن بري : شاهد عوض - بالضم - قول جابر بن رألان السنبسي :


                                                          يرضى الخليط ويرضى الجار منزله     ولا يرى عوض صلدا يرصد العللا



                                                          قال : وهذا البيت مع غيره في الحماسة . وعوض : صنم . وبنو عوض : قبيلة . وعياض : اسم رجل ، وكله راجع إلى معنى العوض الذي هو الخلف . قال ابن جني في عياض اسم رجل : إنما أصله مصدر عضته أي : أعطيته . وقال ابن بري في ترجمة عوص : عوص : قبيلة ، وعوض - بالضاد - قبيلة من العرب ؛ قال تأبط شرا :


                                                          ولما سمعت العوض تدعو تنفرت     عصافير رأسي من نوى وتوانيا



                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية