الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              314 [ ص: 101 ] 19 - باب: إقبال المحيض وإدباره وكن نساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة، فتقول: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء. تريد بذلك الطهر من الحيضة.

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              هذا الأثر ذكره مالك في "الموطأ"، فقال: عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه مولاة عائشة أنها قالت: كان النساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض يسألنها عن الصلاة، فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء. تريد الطهر من الحيضة.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو محمد بن حزم: خولفت أم علقمة بما هو أقوى من روايتها.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وأم علقمة اسمها مرجانة، كذا سماها ابن حبان في "ثقاته"، وقال العجلي: مدنية تابعية ثقة.

                                                                                                                                                                                                                              والدرجة: بضم الدال المهملة وسكون الراء، وقيل: بكسر الدال وفتح الراء، وعند الباجي بفتحهما، وهي بعيدة عن الصواب كما قاله صاحب "المطالع".

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن بطال: رواية أصحاب الحديث الثاني يعنون بذلك جمع (درج)، وهو الذي يجعل فيه النساء الطيب. وأهل اللغة ينكرون ذلك [ ص: 102 ] ويقولون: أما الذي كن يبعثن به الخرق فيها القطن، كن يمتحن بها أمر طهرهن. واحدتها درجة بضم الدال وسكون الراء.

                                                                                                                                                                                                                              والكرسف بضم السين مع الكاف: القطن، ويقال له: الكرفس، على القلب.

                                                                                                                                                                                                                              واختير القطن لبياضه، ولأنه ينشف الرطوبة، فيظهر فيه من آثار الدم ما لا يظهر من غيره.

                                                                                                                                                                                                                              والقصة -بفتح القاف، وحكى القزاز كسرها، والصاد المهملة: الجص.

                                                                                                                                                                                                                              ومعناه هنا أن تخرج القطنة أو الخرقة التي تحتشي بها كأنها جصة لا تخالطها صفرة. وقيل: هو ماء أبيض يخرج آخر الحيض مثل الخيط، وفي "محيط" الحنفية: القصة: الطين الذي يغسل به الرأس، وهو أبيض يضرب إلى الصفرة.

                                                                                                                                                                                                                              وفسر مالك، القصة بقوله: تريد بذلك الطهر كما وقع في البخاري.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الخطابي: تريد النقاء التام. وقال ابن وهب في "تفسيره": رأت الأبيض -القطن- كأنه هو، وقال ابن أبي سلمة: إذا كان ذلك نظرت المرأة إلى مثل ريقها في اللون. وقال مالك: سألت النساء عن القصة البيضاء، فإذا ذلك أمر معلوم عند النساء يرينه عند الطهر.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 103 ] وروى البيهقي من حديث ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن فاطمة بنت محمد - وكانت في حجر عمرة- قالت: أرسلت امرأة من قريش إلى عمرة كرسف قطن فيها -أظنه أراد الصفرة- تسألها: إذا لم تر المرأة من الحيضة إلا هذا طهرت؟ قال: فقالت: لا، حتى ترى البياض خالصا.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية