الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
إخراج الكلام مخرج الشك في اللفظ دون الحقيقة

لضرب من المسامحة وحسم العناد

كقوله : وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ( سبأ : 24 ) وهو يعلم أنه على الهدى ، وأنهم على الضلال ، لكنه أخرج الكلام مخرج الشك ، تقاضيا ومسامحة ، ولا شك عنده ولا ارتياب .

[ ص: 464 ] وقوله : قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ( الزخرف : 81 ) .

ونحوه : فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ( محمد : 22 ) أورده على طريق الاستفهام ، والمعنى : هل يتوقع منكم إن توليتم أمور الناس وتأمرتم عليهم لما تبين لكم من المشاهد ولاح منكم في المخايل أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ( محمد : 22 ) تهالكا على الدنيا ؟ .

وإنما أورد الكلام في الآية على طريق سوق غير المعلوم سياق غيره ؛ ليؤديهم التأمل في التوقع عمن يتصف بذلك إلى ما يجب أن يكون مسببا عنه من أولئك الذين أصمهم الله وأعمى أبصارهم ، فيلزمهم به على ألطف وجه ؛ إبقاء عليهم من أن يفاجئهم به وتأليفا لقلوبهم ، ولذلك التفت عن الخطاب إلى الغيبة تفاديا عن مواجهتهم بذلك .

وقد يخرج الواجب في صورة الممكن كقوله تعالى : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا ( الإسراء : 79 ) .

فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده ( المائدة : 52 ) .

و عسى ربكم أن يرحمكم ( الإسراء : 8 ) .

وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ( البقرة : 216 ) الآية .

وقد يخرج الإطلاق في صورة التقييد كقوله : حتى يلج الجمل في سم الخياط ( الأعراف : 40 ) .

ومنه قوله تعالى حاكيا عن شعيب : وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا ( الأعراف : 89 ) فالمعنى : لا يكون أبدا من حيث علقه بمشيئة الله ؛ لما كان معلوما أنه لا يشاؤه ؛ إذ يستحيل ذلك على الأنبياء ، وكل أمر قد علق بما لا يكون فقد نفي كونه على أبعد الوجوه .

[ ص: 465 ] وقال قطرب : في الكلام تقديم وتأخير ، والاستثناء من الكفار لا من شعيب ، والمعنى : لنخرجنك ياشعيب والذين آمنوا معك من قريتنا إلا أن يشاء الله أن تعودوا في ملتهم ، ثم قال تعالى حاكيا عن شعيب : وما يكون لنا أن نعود فيها ( الأعراف : 89 ) على كل حال .

وقيل : الهاء عائدة إلى القرية لا إلى الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية