الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل التاسع : في تداعيه ، ولا يثبت - عندنا - إلا بشهادة رجلين ، وعند ( ش ) ، و ( ح ) بشهادة رجل وامرأتين ، لنا : أنه من أحكام الأبدان فلا تقبل فيه شهادة النساء ، وفي الكتاب : إذا ادعى الرجل العقد على المرأة ، وأنكرته وادعت أنه غلبها ، فلا يمين على المنكر ; لأنه لا يقضى عليه بالنكول ، وإن ادعاها رجلان ، وأقاما بينتين ولم يعلم الأول فسخ عقدهما بطلقة لتحل يقينا ، وافقتهما أو أحدهما أم لا ، ولا يقضى بأعدل البينتين بخلاف البيوع احتياطا لأحكام الأبدان .

                                                                                                                قال أبو الطاهر : في القضاء بأعدل البينتين أقوال : ثالثها : التفرقة بين البياعات والنكاحات ، وقيل : لا يفسخ بطلاق ، بل يتوقف ، فإن تمادى الفراق لزمت طلقة ، فإن تزوجها فلا ، قال ابن يونس : قال محمد : إذا أقرت لأحدهما فهي له لترجحه ، وإنما يصح القضاء بأعدلهما ، كما قاله سحنون إذا اتحد المجلس واللفظ ، وفي الجواهر : إذا أتى أحد الزوجين بشاهد ففي تعلق اليمين بالآخر خلاف ، ثم إن نكل لم يثبت النكاح ولا يحبس ، ويغرم الصداق ، قال ابن القاسم : لا ينتظر إلا أن يدعي بينة قريبة ، ويرى لدعواه وجه ، فإن عجز ثم جاء بها ، وقد نكحت أو لم تنكح فقد مضى الحكم ، ومن ادعى زواج امرأة رجل قبله ، وأتى بشاهد فليعزل عنها حتى يكمل البينة إن ادعى أمرا قريبا ، فإن لم يكمل لا يحلف واحد منهما ، قالأشهب : إذا أقام بينة وأقامت بينة أن فلانا زوجها ، وفلان منكر وجهل التاريخ يفسخ النكاحان ما لم يقع الدخول لأحدهما فهي له ، ويقيم الآخر البينة أنه الأول ، قال أشهب : وإذا أقام بينة هي تنكر ، وأقامت أختها بينة أنه زوجها وهو منكر ، وجهل التاريخ ، فسخ النكاحان ، [ ص: 414 ] قال محمد : لإنكاره نكاح الأخرى ، فلو أقر أنها الأخيرة لقبل قوله ; لأن البينة لا تكذبه ، ولا ينفعه جحود مدعية السبق ; لأن البينة أثبتت نكاحها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال مالك : تكشف البكر للشهود على رؤيتها عند العقد ، قال محمد : وعلى قولها إن كانت ثيبا ، أو صمتها إن كانت بكرا ، وإذا ادعت النكاح على ميت وأقامت شاهدا واحدا ، قال ابن القاسم : تحلف وترث ; لأن الميراث مال ، ومنعه أشهب حتى يثبت النكاح ; لأنه فرعه ، ولو أقر في صحته بامرأة ثم مات ورثته بإقراره إن كان طارئا ، وإلا فخلاف ، إلا أن يكون معها ولد أقر به فيلحق به ويرثه ، وكذلك لو أقر بوارث غير الزوجة لجرى الخلاف ، وإقرار أبي الصبي أو الصبية مقبول عليهما ; لأنهما أقيما مقامهما ، وإقرار المحتضر بامرأة سماها بمكة مقبول ، وكذلك المحتضرة ، وإذا قال لامرأة : ألم أتزوجك أمس ، فقالت : بلى ، ثم جحد فاستفهامه إقرار ، ولو قال : تزوجتك ، فأنكرت ، ثم قالت : بلى تزوجتني ، فقال : ما تزوجتك فلا يلزمه النكاح بهذا ، وقولها : خالعني أو طلقني ، وقوله : اختلعت مني ، إقرار منهما ، وكذلك قوله : اختاري ، أو : أمرك بيدك ، في الطلاق ، قاله ابن سحنون ، وكذلك : أنا منك مظاهر ، بخلاف : أنت علي كظهر أمي ، فإن الأجنبية كذلك .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال صاحب البيان : قال ابن القاسم : إذا قامت البينة على إقراره بالزوجية في حياته وصحته ، والصداق كذا ، ثبت ذلك إن كانت في [ ص: 415 ] عياله ، وحوزه ، وإن كانت منقطعة عنه في أهلها لم يقبل إلا أن يقيمها على إقراره في حياته ; لأن انقطاعها ريبة ، فإن تقارا جميعا ولم تكن في حوزه ، فقال ابن القاسم : يتوارثان إذا أشهد على ذلك وتقادم .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن القاسم : إذا قال في مرضه لمن عرفت مملوكته : أشهدكم أني أعتقتها في صحتي وتزوجتها ، وهي الآن طالق ، ولا بينة على ذلك في الصحة فلا يثبت ذلك ولا الميراث ; لأن النكاح لا يثبت إلا بعد العتق ، والعتق لا يثبت بالإقرار في المرض ، ولم يقل : أمضوا هذا العتق ، فإن صح لزم العتق والطلاق ، والقول قوله في الصداق .

                                                                                                                وفي الإقرار بالعتق في المرض ثلاثة أقوال : أحدها : ما تقدم ، وفي المدونة : إن كان ورثته ولدا أعتق من رأس المال ، أو كلالة لم يعتق مطلقا للتهمة ، ولمالك أيضا : إن كان الوارث ولدا فمن رأس المال ، وإلا فمن الثلث ، فيجري الصداق والميراث على هذا الخلاف ، والصداق من رأس المال إذا أعتقت منه أو من الثلث إن أعتقت منه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا ادعت الثلاث وهي بائنة منه ، ثم أكذبت نفسها لم تمكن منه قبل زوج ، أو هي في عصمته ثم خالعها ، فقالت : كذبت ، وأردت الراحة منه صدقت ما لم تذكر ذلك بعد البينونة ، وإن أكذبت نفسها بعد موته فلها الميراث عند ابن القاسم ، وقيل : لا ميراث لها للتهمة ، وقال سحنون : تصدق في الميراث دون الرجعة في الحياة ، وفي تصديقها مع الشاهد الواحد حال الحياة قولان لابن القاسم ، وقال : إن نكلت لم تمنع من الرجوع إليه ، قال : والقياس المنع كالنكول .

                                                                                                                [ ص: 416 ] فرع

                                                                                                                قال : إذا لم تكن تحت زوج وهما طارئان ، وعجز عن إثبات ذلك حلفت ; لأنها لو أقرت كانت زوجة ، وقيل : لا تحلف ; لأنها لو نكلت لم يثبت النكاح ، قال : والقياس : إذا نكلت يحلف الزوج ويثبت النكاح .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية