الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ الإحالة بالدين وخوف هلاك المحال به ]

المثال الخامس بعد المائة : إذا أحاله بدينه على رجل فخاف أن يتوى ماله على المحال عليه ، فلا يتمكن من الرجوع على المحيل ; لأن الحوالة تحول الحق وتنقله ، فله ثلاث حيل .

إحداها : أن يقول : أنا لا أحتال ، ولكن أكون وكيلا لك في قبضه ، فإذا قبضه فإن استنفقه ثبت له ذلك في ذمة الوكيل ، وله في ذمة الموكل نظيره فيتقاصان ، فإن خاف الموكل أن يدعي الوكيل ضياع المال من غير تفريط فيعود يطالبه بحقه فالحيلة له أن يأخذ إقراره بأنه متى ثبت قبضه منه فلا شيء له على الموكل ، وما يدعي عليه بسبب هذا الحق أو من جهته فدعواه باطلة ، وليس هذا إبراء معلقا بشرط حتى يتوصل إلى إبطاله ، بل هو إقرار بأنه لا يستحق عليه شيئا في هذه الحالة .

الحيلة الثانية : أن يشترط عليه أنه إن توى المال رجع عليه ، ويصح هذا الشرط على قياس المذهب ; فإن المحتال إنما قبل الحوالة على هذا الشرط ، فلا يجوز أن يلزم بها بدون الشرط ، كما لو قبل عقد البيع بشرط الرهن أو الضمين أو التأجيل أو الخيار ، أو قبل عقد الإجارة بشرط الضمين للأجرة أو تأجيلها ، أو قبل عقد النكاح بشرط تأجيل الصداق ، أو قبل عقد الضمان بشرط تأجيل الدين الحال على المضمون عنه ، أو قبل عقد الكفالة [ ص: 31 ] بشرط أن لا يلزمه من المال الذي عليه شيء ، أو قبل عقد الحوالة بشرط ملاءة المحال عليه وكونه غير محجور ، ولا مماطل ، وأضعاف أضعاف ذلك من الشروط التي لا تحل حراما ، ولا تحرم حلالا ، فإنها جائز اشتراطها لازم الوفاء بها كما تقدم تقريره نصا وقياسا .

وقد صرح أصحاب أبي حنيفة بصحة هذا الشرط في الحوالة ، فقالوا ، واللفظ للخصاف : يجوز أن يحتال الطالب بالمال على غريم المطلوب على أن هذا الغريم إن لم يوف الطالب هذا المال إلى كذا وكذا فالمطلوب ضامن لهذا المال على حاله ، وللطالب أخذه بذلك ، وتقع الحوالة على هذا الشرط ، فإن وفاه الغريم إلى الأجل الذي يشترطه ، وإلا رجع إلى المطلوب ، وأخذه بالمال ، ثم حكى عن شيخه قال : قلت : وهذا جائز ؟ قال : نعم .

الحيلة الثالثة : أن يقول طالب الحق للمحال عليه : اضمن لي هذا الدين الذي على غريمي ، ويرضى منه بذلك بدل الحوالة ، فإذا ضمنه تمكن من مطالبة أيهما شاء ، وهذه من أحسن الحيل ، وألطفها .

التالي السابق


الخدمات العلمية