الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ابتداء انفتاح باب الفتنة في هذه الأمة

قال أهل التفسير: أول من كفر بهذه النعمة، وجحد حقها، الذين قتلوا عثمان بن عفان الخليفة الثالث -رضي الله عنه- فلما قتلوه، غير الله ما كان بهم من الأمن، وأدخل عليهم الخوف، حتى صاروا يقتتلون، بعد أن كانوا إخوانا، والقصة معروفة.

وأقول: فتح باب الفتنة في هذه الأمة منذ شهادته -رضي الله عنه- فلم [ ص: 369 ] يغلق، وازداد كل يوم إلى أن وقعت هذه الفتن متجاوزة من الخلفاء والملوك في أهل العلم والدين.

فعمت البلوى في المسلمين، وقام كل فرقة من فرق الباطل بالرد على أهل الحق إلى أن بلغت النوبة إلى رد المقلدة الجاهلين على أهل السنة المتبعين، ورد الرافضة المارقين من الدين على جماعة المسلمين المؤمنين.

لا ترى أهل الرأي والتقليد يردون على الفرقة الضالة أبدا، وتراهم يردون على أصحاب الحديث.

وكذلك لا يقدحون هؤلاء في الرافضة، وفي كتبهم الرادة على أكابرهم إنما يقدحون على المحدثين، فإنهم أشد عليهم من كل شديد، وأبغض إليهم، [و] ما هذا إلا رد على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن الحديث قوله أو فعله أو تقريره، لا قول أحد من أمته، ولا فعله، ولا تقريره.

ومن لم يؤمن بما جاء الرسول به -صلى الله عليه وسلم- أو عارضه برأي فاسد، أو قياس فلسفي، أو فرع فقهي، أو حكم سياسي، أو قياس خيالي، أو ظن كذبي، أو أوله على غير تأويله مما أنزله السلف الصالح عليه، وقالوا به، وقرروا مبناه، واتفقوا عليه، أو رجحوه، أو وجهوه، أو قدموه - فهو معارض بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بلا شك ولا شبهة. وهذا الذي كبهم في نار الضلال، وأوقعهم في صحراء الإضلال. أعاذنا الله منه.

وقال تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم [الأحزاب: 6] أي: هو أحق بهم وأشفق في كل ما دعاهم إليه من أمور الدين والدنيا.

فإن نفوسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم، ويدعوهم إلى ما فيه نجاتهم، فيجب عليهم أن يؤثروه بما أراده من أموالهم، وإن كانوا محتاجين إليها، ويجب عليهم أن يحبوه زيادة على حبهم أنفسهم، ويجب عليهم أن يقدموا حكمه عليهم على حكمهم لأنفسهم.

[ ص: 370 ] قال في «فتح البيان» : وبالجملة: فإذا دعاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- لشيء، ودعتهم أنفسهم إلى غيره، وجب عليهم أن يقدموا ما دعاهم إليه، ويؤخروا ما دعتهم أنفسهم إلى غيره، وجب عليهم أن يقدموا ما دعاهم إليه، ويؤخروا ما دعتهم أنفسهم إليه، ويجب عليهم أن يطيعوه فوق طاعتهم لأنفسهم، ويقدموا طاعته على ما تميل إليه أنفسهم وتطلبه خواطرهم. انتهى.

وأقول: ومن جملة ذلك: أن أنفسهم تدعوهم إلى التقليد، وإلى الاعتقاد بوجوبه.

والرسول -صلى الله عليه وسلم- يدعوهم إلى اتباع الكتاب والسنة، فيجب على الأمة أن تقدم دعوته على دعوة أنفسهم.

أخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة» اقرؤوا إن شئتم: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم الحديث.

ولا شك أن الأحبار والرهبان، والأئمة المجتهدين، والمشايخ المتصرفين، ومن هو في معناهم، كلهم من أنفس الأمة، ومن مؤمني هذه الملة.

والنبي -صلى الله عليه وسلم- أولى بهم من أنفسهم في الدارين، وعلى هذا لا يصح لأحد تقليد أحد في مقابلة سننه صلى الله عليه وسلم.

فإن قلد وقدم قول إمام من الأئمة، أو صوفي من الصوفية، على قوله -صلى الله عليه وسلم- فإنه لم يقر بأولويته على حسب ما ورد به القرآن، وكأنه أنكر هذا البرهان الجلي الواضح الشأن.

فتأمل في معنى هذا الحديث، وهذه الآية من القرآن، يتضح عليك الخطأ [ ص: 371 ] من الصواب، والغلط من الصحيح، إن كان أراد الله هدايتك، وإلا فأنت أنت.

وأزواجه سواء دخل بهن أو لا، وسواء مات عنهن أو طلقهن أمهاتهم أي: مثلهن في الحكم بالتحريم، ومنزلة منزلتهن في استحقاق التعظيم، فلا يحل لأحد أن يتزوج بواحدة منهن، كما لا يحل له أن يتزوج بأمه.

قال القرطبي: الذي يظهر لي أنهن أمهات الرجال والنساء؛ تعظيما لحقهن على الرجال والنساء كما يدل عليه قوله: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهذا يشمل الرجال والنساء جميعا بالضرورة. انتهى.

والآية دليل على فضيلة أهل بيته -صلى الله عليه وسلم- وعلى أن شأنهن أرفع من شأن نساء جميع الأمة.

ومن جملتهن عائشة الصديقة -رضي الله عنها- وحفصة بنت الفاروق.

وقد أساءت الرافضة الأدب فيهما، وقالوا في حقهما ما هم مستحقون به، لا هما.

وأهل السنة يحرمون الكل، ويعظمونهن حق العظمة، وهو الحق البحت.

وكذلك يعترفون بعظمة أولاده -صلى الله عليه وسلم- من فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- ويذكرونهم جميعا بالخير والدعاء والثناء.

فمن لم يراع هذه الحرمة لأزواجه المطهرات، وعترته الطاهرات، فقد خالف ظاهر الكتاب، وصريح النص منه.

وقال تعالى: ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين يعني: أنه يكون لهن من الأجر على الطاعة مثلا ما يستحقه غيرهن من النساء إذا فعلن تلك الطاعة.

قيل: الحسنة بعشرين حسنة، وتضعيف ثوابهن لرفع منزلتهن. قال في «فتح البيان» : فيه إشارة إلى أنهن أشرف نساء العالمين.

[ ص: 372 ] وأعتدنا لها زيادة على الأجر مرتين رزقا كريما [الأحزاب: 31] جليل القدر، رفيع الأمر. قال المفسرون: هو نعيم الجنة.

الآية دليل على شرف أهل بيته -صلى الله عليه وسلم- وهم أزواجه -عليه السلام- وكلهن سواسية في هذا الشرف والكرامة.

ومن فرق بينهن، وقال بشرف بعضهن، ولم يقل بأخرى، فهو رافضي خبيث رجس؛ لأنه سبحانه ساقهن في مساق واحد، ولم يفرق بينهن بشيء، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟!!

ومن هذا الذي يجوز له التفريق، بعدما اتفق الله على كل واحدة منهن بهذا التنصيص الشريف؟:

وقال تعالى: إنما يريد الله أي: إنما أوصاكن الله بما أوصى من التقوى وغيرها ليذهب عنكم الرجس أي: الإثم والذنب المدنسين للأعراض، الحاصلين بسبب ترك ما أمر الله به، وفعل ما نهى عنه أهل البيت النصب على النداء والمدح ويطهركم من الأرجاس والأدناس تطهيرا [الأحزاب: 33] كاملا.

التالي السابق


الخدمات العلمية