الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 367 ] ورود صيغة النهي لمعان ] وترد صيغه النهي لمعان : أحدها : للتحريم ، كقوله تعالى : { ولا تقربوا الزنا } الثاني : الكراهة ، كقوله تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } ومثله الهندي بقوله { ولا تعزموا عقدة النكاح } أي على عقدة النكاح ، وقد يدل عليه السياق كقوله { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } قال الصيرفي : لأنه حثهم على إنفاق أطيب أموالهم ، لا أنه يحرم عليهم إنفاق الخبيث من التمر أو الشعير من القوت ، وإن كانوا يقتاتون ما فوقه ، وهذا إنما نزل في الأقناء التي كانت تعلق في المسجد فكانوا يعلقون ، الحشف . قال : فالمراد بالخبيث هنا الأردأ ، وقد يقع على الحرام ، كقوله : { ويحرم عليهم الخبائث } وقد يعلل بالتوهم ، لقوله صلى الله عليه وسلم { إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها فإنه لا يدري أين باتت يده } وكذلك حديث عدي في العبد : { إني أخشى أن يكون قد أمسك على نفسه } فنبهه على مظنة الشبهة احتياطا .

                                                      الثالث : الأدب ، كقوله { ولا تنسوا الفضل بينكم } .

                                                      [ ص: 368 ] الرابع : التحقير لشأن المنهي عنه ، كقوله تعالى : { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به } . الخامس : التحذير ، كقوله تعالى : { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } . السادس : بيان العاقبة ، كقوله تعالى : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا } . السابع : اليأس ، كقوله تعالى : { لا تعتذروا } . الثامن : للإرشاد إلى الأحوط بالترك ، كقوله تعالى : { لا تسألوا عن أشياء } ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : { لا تعمروا ولا ترقبوا } قال الرافعي في باب الهبة : قال الأئمة : هذا إرشاد معناه : لا تعمروا طمعا في أن يعود إليكم ، واعلموا أن سبيله سبيل الميراث . التاسع : اتباع الأمر من الخوف كقوله : { ولا تخف إنك من الآمنين } . العاشر : الدعاء ، كقوله : { لا تكلنا إلى أنفسنا } . الحادي عشر : الالتماس ، كقولك لنظيرك : لا تفعل هذا . الثاني عشر : التهديد ، كقولك لمن لا يمتثل أمرك : لا تمتثل أمري .

                                                      الثالث عشر : الإباحة وذلك في النهي بعد الإيجاب فإنه إباحة للترك . الرابع عشر : الخبر ، ومثله الصيرفي بقوله تعالى : { لا تنفذون إلا بسلطان } فالنون في " تنفذون " جعل خبرا لا [ ص: 369 ] نهيا يدل على عجزهم عن قدرتهم ولولا النون لكان نهيا ، وأن لهم قدرة كفهم عنها النهي ، وعكسه قوله : { لا ريب فيه } أي : لا ترتابوا فيه على أحد القولين ، كقوله تعالى : { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } لم ينههم عن الموت في وقت ; لأن ذلك ليس إليهم وقوله تعالى : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة } لفظه الخبر ، ومعناه النهي أي : لا تنكحوا . وليست حقيقة في الكل اتفاقا بل في البعض ، وهو إما تحريم فقط ، وإما الكراهة فقط ، وإما هو مشترك بينهما أو هي مشتركة بينهما أقوال : والأول معنوي ، والثاني لفظي ، أو لا يدرى حال هذه الأقسام مع أنه غير خارج عنها ، أو الوقف على ما سبق في الأمر . وحكى الغزالي القول بالإباحة هنا ، ورأيت من ينكره عليه ، وإنما قال الغزالي في المنخول " : إن من حمل الأمر على الإباحة ورفع الحرج حمل هذا على رفع الحرج في ترك الفعل . وقال أبو زيد في التقويم " : لم أقف على الخلاف في حكم النهي كما في الأمر ، فيحتمل أن تكون أقوالهم في النهي حسب اختلافهم في الأمر ، فمن قال بالوقف ثم يقول به هنا ، ومن قال بالإباحة ثم يقول بالإباحة هنا ، وهو إباحة الانتهاء ، ومن قال بالندب هناك يندب الانتهاء هنا ، ومن قال بالوجوب ثم يقول به هاهنا . وقال البزدوي : إن المعتزلة قالوا بالندب في باب الأمر ، وفي النهي قالوا بالوجوب ; لأن الأمر يقتضي حسن المأمور به ، والمندوب والواجب في [ ص: 370 ] اقتضاء الحسن سواء بخلاف النهي ، فإنه يقتضي قبح المنهي عنه ، والانتهاء عن القبيح واجب ، فأما إتيان الحسن فليس بواجب ، ولهذا فرقوا .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية