الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 125 ] كتاب الإقرار

فائدة قال في الرعاية الكبرى ومعناه في الصغرى ، والحاوي : الإقرار الاعتراف . وهو إظهار الحق لفظا . وقيل : تصديق المدعي حقيقة أو تقديرا . وقيل : هو صيغة صادرة من مكلف مختار رشيد لمن هو أهل للاستحقاق ما أقر به غير مكذب للمقر ، وما أقر به تحت حكمه غير مملوك له وقت الإقرار به ثم قال : قلت : هو إظهار المكلف الرشيد المختار ما عليه لفظا أو كتابة في الأقيس ، أو إشارة ، أو على موكله ، أو موليه ، أو موروثه ، بما يمكن صدقه فيه . انتهى .

قال في النكت : قوله " أو كتابة في الأقيس " ذكر في كتاب الطلاق : أن الكتابة للحق ليست إقرارا شرعيا في الأصح . وقوله " أو إشارة " مراده : من الأخرس ونحوه . أما من غيره : فلا أجد فيه خلافا . انتهى . وذكر في الفروع في " كنايات الطلاق " أن في إقراره بالكتابة وجهين . وتقدم هذا هناك . قال الزركشي : هو الإظهار لأمر متقدم . وليس بإنشاء .

قوله ( يصح الإقرار من كل مكلف مختار ، غير محجور عليه ) هذا المذهب من حيث الجملة . وقطع به أكثر الأصحاب . [ ص: 126 ] وقال في الفروع : يصح من مكلف مختار بما يتصور منه التزامه ، بشرط كونه بيده وولايته واختصاصه ، لا معلوما . قال : وظاهره ولو على موكله أو موروثه أو موليه . انتهى . وتقدم كلام صاحب الرعاية . وقال في الفروع في " كتاب الحدود " وقيل : ويقبل رجوع مقر بمال . وفي طريقة بعض الأصحاب في مسألة إقرار الوكيل : لو أقر الوصي والقيم في مال الصبي على الصبي بحق في ماله : لم يصح ، وأن الأب لو أقر على ابنه إذا كان وصيا : صح . قال في الفروع : وقد ذكروا : إذا اشترى شقصا فادعى عليه الشفعة . فقال " اشتريته لابني " أو " لهذا الطفل المولى عليه " فقيل : لا شفعة . لأنه إيجاب حق في مال الصغير بإقرار وليه . وقيل : بلى . لأنه يملك الشراء . فصح إقراره فيه ، كعيب في مبيعه .

وذكروا : لو ادعى الشريك على حاضر بيده نصيب شريكه الغائب بإذنه : أنه اشتراه منه ، وأنه يستحقه بالشفعة ، فصدقه : أخذه بالشفعة . لأن من بيده العين يصدق في تصرفه فيما بيده ، كإقرار بأصل ملكه . وكذا لو ادعى : أنك بعت نصيب الغائب بإذنه . فقال : نعم . فإذا قدم الغائب فأنكر : صدق بيمينه . ويستقر الضمان على الشفيع . وقال الأزجي : ليس إقراره على ملك الغير إقرارا . بل دعوى ، أو شهادة يؤخذ بها إن ارتبط بها الحكم . ثم ذكر ما ذكره غيره : لو شهد بحرية عبد فردت ، ثم اشترياه : صح . كاستنقاذ الأسير . لعدم ثبوت ملك لهما ، بل للبائع . وقيل فيه : لا يصح . لأنه لا بيع في الطرف الآخر . ولو ملكاه بإرث أو غيره : عتق . [ ص: 127 ] وإن مات العتيق : ورثه من رجع عن قوله الأول . وإن كان البائع رد الثمن . وإن رجعا احتمل أن يوقف حتى يصطلحا ، واحتمل أن يأخذه من هو في يده بيمينه . وإن لم يرجع واحد منهما . فقيل : يقر بيد من هو بيده ، وإلا لبيت المال . وقيل : لبيت المال مطلقا . وقال القاضي : للمشتري الأقل من ثمنه ، أو التركة . لأنه مع صدقهما : التركة للسيد وثمنه ظلم . فيتقاصان ، ومع كذبهما : هي لهما . ولو شهدا بطلاقها ، فردت ، فبذلا مالا ليخلعها : صح . وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله وإن لم يذكر في كتاب الإقرار أن المقر به كان بيد المقر ، وأن الإقرار قد يكون إنشاء ، { قالوا : أقررنا } فلو أقر به ، وأراد إنشاء تمليك : صح . قال في الفروع : كذا قال . وهو كما قال .

تنبيه

قوله ( غير محجور عليه ) . شمل المفهوم مسائل :

منها : ما صرح به المصنف بعد ذلك . ومنها : ما لم يصرح به . فأما الذي لم يصرح به : فهو السفيه . والصحيح من المذهب : صحة إقراره بمال . سواء لزمه باختياره أو لا . قال في الفروع : والأصح صحته من سفيه . وجزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في الشرح ، وشرح ابن منجا ، والرعايتين ، والحاوي ، وغيرهم [ ص: 128 ] وقيل : لا يصح مطلقا . وهو احتمال ذكره المصنف في " باب الحجر " . واختاره المصنف ، والشارح . وتقدم ذلك مستوفى في " باب الحجر " عند كلام المصنف فيه . فعلى المذهب : يتبع به بعد فك حجره ، كما صرح به المصنف هناك .

فائدة

مثل : إقراره بالمال : إقراره بنذر صدقة بمال ، فيكفر بالصوم ، إن لم نقل بالصحة . وأما غير المال كالحد ، والقصاص ، والنسب ، والطلاق ، ونحوه فيصح . ويتبع به في الحال . وتقدم ذلك أيضا في كلام المصنف في " باب الحجر " . قال في الفروع : ويتوجه : وبنكاح إن صح . وقال الأزجي : ينبغي أن لا يقبل كإنشائه . قال : ولا يصح من السفيه ، إلا أن فيه احتمالا . لضعف قولهما . انتهى . فجميع مفهوم كلام المصنف هنا غير مراد . أو نقول وهو أولى : مفهوم كلامه مخصوص بما صرح به هناك .

التالي السابق


الخدمات العلمية