الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 160 ] ذكر حديث آخر بمعنى ما ذكره ابن حبان

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : إن موسى قال : أي رب ، عبدك المؤمن مقتر عليه في الدنيا . قال : ففتح له باب من الجنة ، فنظر إليها ، قال : يا موسى ، هذا ما أعددت له . فقال موسى : يا رب ، وعزتك وجلالك ، لو كان أقطع اليدين والرجلين ، يسحب على وجهه منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة ، وكان هذا مصيره ، لم ير بؤسا قط . قال : ثم قال : أي رب ، عبدك الكافر موسع عليه في الدنيا . قال : ففتح له باب إلى النار ، فيقول : يا موسى ، هذا ما أعددت له . فقال : أي رب ، وعزتك وجلالك ، لو كانت له الدنيا منذ يوم خلقته إلى يوم القيامة ، وكان هذا مصيره ، لم ير خيرا قط تفرد به أحمد من هذا الوجه . وفي صحته نظر والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن حبان : ذكر سؤال كليم الله ربه ، جل وعلا ، أن يعلمه شيئا يذكره به ، حدثنا ابن سلم ، حدثنا حرملة بن يحيى ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، إن دراجا حدثه ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، [ ص: 161 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : قال موسى : يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به . قال : قل يا موسى : لا إله إلا الله . قال : يا رب كل عبادك يقول هذا . قال : قل : لا إله إلا الله . قال : إنما أريد شيئا تخصني به . قال : يا موسى لو أن أهل السماوات السبع والأرضين السبع في كفة ، ولا إله إلا الله في كفة مالت بهم لا إله إلا اللهويشهد لهذا الحديث حديث البطاقة . وأقرب شيء إلى معناه الحديث المروي في " السنن " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أفضل الدعاء ، دعاء عرفة ، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن أبي حاتم ، عند تفسير آية الكرسي : حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي ، حدثني أبي ، عن أبيه ، حدثنا أشعث بن إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن بني إسرائيل قالوا لموسى : هل ينام ربك؟ قال : اتقوا الله . فناداه ربه : يا موسى سألوك هل ينام ربك ، فخذ زجاجتين في يديك فقم الليل ، ففعل موسى ، فلما ذهب من الليل ثلث ، نعس فوقع لركبتيه ، ثم انتعش ، [ ص: 162 ] فضبطهما حتى إذا كان آخر الليل نعس ، فسقطت الزجاجتان ، فانكسرتا . فقال : يا موسى ، لو كنت أنام ، لسقطت السماوات والأرض ، فهلكن كما هلكت الزجاجتان في يديك . قال : وأنزل الله على رسوله آية الكرسي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن جرير : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا هشام بن يوسف ، عن أمية بن شبل ، عن الحكم بن أبان ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى ، عليه السلام ، على المنبر ، قال : وقع في نفس موسى ، عليه السلام ، هل ينام الله ، عز وجل؟ فأرسل الله إليه ملكا ، فأرقه ثلاثا ، ثم أعطاه قارورتين ، في كل يد قارورة ، وأمره أن يحتفظ بهما ، قال : فجعل ينام ، وكادت يداه تلتقيان فيستيقظ ، فيحبس إحداهما على الأخرى ، حتى نام نومة ، فاصطفقت يداه ، فانكسرت القارورتان قال : ضرب الله له مثلا ، أن لو كان ينام ، لم تستمسك السماء والأرض . وهذا حديث غريب رفعه ، والأشبه أن يكون موقوفا ، وأن يكون أصله إسرائيليا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال الله تعالى : [ ص: 163 ] وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين [ البقرة : 63 ، 64 ] . وقال تعالى : وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون [ الأعراف : 171 ] . قال ابن عباس ، وغير واحد من السلف : لما جاءهم موسى بالألواح فيها التوراة ، أمرهم بقبولها ، والأخذ بها بقوة وعزم ، فقالوا : انشرها علينا ، فإن كانت أوامرها ونواهيها سهلة ، قبلناها . فقال : بل اقبلوها بما فيها . فراجعوه مرارا فأمر الله الملائكة فرفعوا الجبل على رءوسهم ، حتى صار كأنه ظلة ، أي غمامة على رءوسهم ، وقيل لهم : إن لم تقبلوها بما فيها ، وإلا سقط هذا الجبل عليكم . فقبلوا ذلك ، وأمروا بالسجود فسجدوا ، فجعلوا ينظرون إلى الجبل بشق وجوههم ، فصارت سنة لليهود إلى اليوم ، يقولون لا سجدة أعظم من سجدة رفعت عنا العذاب . وقال سنيد بن داود ، عن حجاج بن محمد ، عن أبي بكر بن عبد الله ، قال : فلما نشرها لم يبق على وجه الأرض جبل ولا شجر ولا حجر ، إلا اهتز ، فليس على وجه الأرض يهودي صغير ولا كبير تقرأ عليه التوراة إلا اهتز ، ونفض لها رأسه . [ ص: 164 ] قال الله تعالى : ثم توليتم من بعد ذلك أي; ثم بعد مشاهدة هذا الميثاق العظيم ، والأمر الجسيم ، نكثتم عهودكم ومواثيقكم ، فلولا فضل الله عليكم ورحمته بأن تدارككم بالإرسال إليكم ، وإنزال الكتاب عليكم لكنتم من الخاسرين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية