الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 337 ] مسألة

في المرابطة بالثغور أفضل أم المجاورة بمكة؟ [ ص: 338 ] [ ص: 339 ] بسم الله الرحمن الرحيم

وهو حسبي ونعم الوكيل

مسألة

في المرابطة بالثغور أفضل أم المجاورة بمكة شرفها الله تعالى؟

الجواب

الحمد لله . المرابطة في ثغور المسلمين -وهو المقام فيها بنية الجهاد- أفضل من المجاورة في الحرمين باتفاق أئمة المسلمين أهل المذاهب الأربعة وغيرهم . وليست هذه المسألة من المشكلات عند من يعرف دين الإسلام; ولكن لكثرة ظهور البدع في العبادات وفساد النيات في الأعمال الشرعيات صار يخفى مثل هذه المسألة على كثير من الناس ، حتى صاروا يعظمون الأماكن التي كان المسلمون يعظمونها لكونها ثغورا ظانين أن تعظيمها لأمور مبتدعة في دين الإسلام ، فاستبدلوا بشريعة الإسلام بدعا ما أنزل الله بها من سلطان . فإنه يوجد في كلام السلف وحكاياتهم في ذكر غزة وعسقلان والإسكندرية وجبل لبنان وعكة وقزوين ، ومن أمثال ذلك ، ومن وجود الصالحين بها ما يوجب شرف هذه البقاع .

وإنما كان ذلك لكونها كانت ثغور المسلمين ، فكان صالحو المسلمين يتناوبونها لأجل المرابطة بها ، لا لأجل الاعتزال عن الناس [ ص: 340 ] وسكنى الغيران والكهوف ، أو نحو ذلك مما يظنه الجهال أهل البدع والضلال .

ثم إن من هذه البقاع ما غلب عليه العدو ، أو سكنه أهل البدع والفساق; ففسد حال أهله ، مثل ما جرى على لبنان ونحوه . وكون المكان ثغرا هو مثل كونه دار الإسلام ودار الكفر مثل كون الرجل مؤمنا وكافرا ، هو من الصفات التي تعرض وتزول ، فقد كانت مكة -شرفها الله- أم القرى قبل فتحها دار كفر وحرب تجب الهجرة منها ، ثم تغير هذا الحكم لما فتحت . حتى قال - صلى الله عليه وسلم - . "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية" . وقد كان البيت المقدس بأيدي العدو تارة ، وبأيدي المسلمين أخرى .

فالثغور هي البلاد المتاخمة للعدو من المشركين وأهل الكتاب التي يخيف العدو أهلها ويخيف أهلها العدو ، والمرابطة بها أفضل من المجاورة بالحرمين باتفاق المسلمين . كيف والمرابطة بها فرض على المسلمين إما على الأعيان وإما على الكفاية .

وأما المجاورة فليست واجبة باتفاق المسلمين ، بل العلماء متنازعون هل هي مستحبة أم مكروهة؟ فاستحبها طائفة من العلماء من أصحاب مالك والشافعي ، وكرهها آخرون كأبي حنيفة وغيره ، قالوا : لأن المقام بها يفضي إلى الملك لها ، وأنه لا يأمن من مواقعة المحظور; فيتضاعف عليه العذاب . ولأنه يضيق على أهل البلد . [ ص: 341 ]

قالوا : وكان عمر يقول عقب المواسم : يا أهل الشام شامكم ، يا أهل اليمن يمنكم ، يا أهل العراق [عراقكم] .

ولأن المقيم بها يفوته الحج التام والعمرة التامة; فإن العلماء متفقون على أنه إن أنشأ سفر العمرة من دويرة أهله كان هذا أفضل أنواع الحج والعمرة . وهم متفقون على أنه أفضل من التمتع والقران ومن الإفراد الذي يعتمر عقب الحج .

التالي السابق


الخدمات العلمية