الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الشهادة في القتل قال : ( ومن قتل وله ابنان حاضر وغائب فأقام الحاضر البينة على القتل ثم قدم الغائب فإنه يعيد البينة ) عند أبي حنيفة ، [ ص: 261 ] وقالا : لا يعيد ( وإن كان خطأ لم يعدها بالإجماع ) وكذلك الدين يكون لأبيهما على آخر . لهما في الخلافية أن القصاص طريقه طريق الوراثة كالدين ، وهذا لأنه عوض عن نفسه فيكون الملك فيه لمن له الملك في المعوض كما في الدية ، ولهذا لو انقلب مالا يكون للميت ، ولهذا يسقط بعفوه بعد الجرح قبل الموت فينتصب أحد الورثة خصما عن الباقين . وله أن القصاص طريقه الخلافة دون الوراثة ; ألا ترى أن ملك [ ص: 262 ] القصاص يثبت بعد الموت والميت ليس من أهله ، بخلاف الدين والدية لأنه من أهل الملك في الأموال ، كما إذا نصب شبكة فتعلق بها صيد بعد موته فإنه يملكه ، وإذا كان طريقه الإثبات ابتداء لا ينتصب أحدهم خصما عن الباقين فيعيد البينة بعد حضوره ( فإن كان أقام القاتل البينة أن الغائب قد عفا فالشاهد خصم ويسقط القصاص ) لأنه ادعى على الحاضر سقوط حقه في القصاص إلى مال ، ولا يمكنه إثباته إلا بإثبات العفو من الغائب فينتصب الحاضر خصما عن الغائب ( وكذلك عبد بين رجلين قتل عمدا وأحد الرجلين غائب فهو على هذا ) لما بيناه . .

التالي السابق


( باب الشهادة في القتل )

لما كانت الشهادة في القتل أمرا متعلقا بالقتل أوردها بعد ذكر حكم القتل لأن ما يتعلق بالشيء كان أدنى درجة من نفس ذلك الشيء ( قوله ومن قتل وله ابنان حاضر وغائب فأقام الحاضر البينة على القتل ثم قدم الغائب فإنه يعيد البينة عند أبي حنيفة [ ص: 261 ] رحمه الله وقالا : لا يعيد ) قال في العناية : والأصل أن استيفاء القصاص حق الوارث عنده وحق المورث عندهما . وقال : وليس لأبي حنيفة تمسك بصحة العفو من الوارث حال حياة المورث استحسانا ، كما أنه ليس لهما ذلك بصحة العفو من المورث المجروح استحسانا للتدافع انتهى . أقول : فيه بحث ، لأن ما تمسكا به لا ينتهض حجة على أبي حنيفة ، وما تمسك به ينتهض حجة عليهما فكيف يتحقق التدافع بين ذينك التمسكين .

وذلك أن القصاص وإن كان حقا للوارث عنده باعتبار ثبوته للوارث ابتداء بناء على أن القصاص لا يثبت إلا بعد الموت والميت ليس من أهل أن يثبت له هذا الحق لأنه شرع للتشفي ، ودرك الثأر والميت ليس بأهل لذلك لكنه حق للمورث أيضا عنده باعتبار انعقاد سببه الذي هو الجناية في حق المورث ، وقد صرح به في كثير من الشروح .

فأبو حنيفة راعى فيما نحن فيه جهة كون القصاص حقا للوارث فقال باشتراط إعادة البينة إذا حضر الغائب احتيالا للدرء وراعى في مسألة العفو من المورث المجروح جهة كونه حقا للمورث فقال بصحة العفو منه احتيالا للدرء أيضا .

وأما عندهما فالقصاص حق ثابت للمورث ابتداء من كل الوجوه ، ثم ينتقل بعد موته إلى الوارث بطريق الوراثة كسائر أملاكه ، [ ص: 262 ] فيتجه عليهما المؤاخذة لصحة العفو من الوارث حال حياة المورث استحسانا بالإجماع فتدبر




الخدمات العلمية