الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( 13 ) باب المساقاة والمزارعة

الفصل الأول

2972 - عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم ، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شطر ثمرها . رواه مسلم . وفي رواية البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى خيبر اليهود أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها .

التالي السابق


( 13 ) باب المساقاة والمزارعة

المساقاة : هي أن يعامل إنسانا على شجرة يتعهدها بالسقي والتربية على أن ما رزق الله - تعالى - من الثمرة يكون بينهما بجزء معين ، وكذا المزارعة في الأراضي .

الفصل الأول

2972 - ( عن عبد الله بن عمر : أن رسول - صلى الله عليه وسلم - دفع إلى يهود خيبر ) موضع قريب المدينة وهو غير منصرف ( نخيل خيبر وأرضها ) أي : بعد ما ملكها قهرا حيث فتحت خيبر عنوة فصار أهلها [ ص: 1986 ] عبيدا له ، وأراد إخراج أهلها اليهود منها ، والتمسوا منه - صلى الله عليه وسلم - أن يقرهم ( على أن يعتملوها ) أي : يسعوا فيها بما فيه عمارة أرضها وإصلاحها ، ويستعملوا آلات العمل كلها من الفأس والمنجل وغيرها ( من أموالهم ) نسبة مجازية ( ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شطر ثمرها ) أي : نصفه وكان المراد من الثمر ما يعم الزرع ; ولذا اكتفى به أو ترك ما يقابله للمقايسة فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( نقركم على ذلك ما أقركم الله عليه " فكانوا على ذلك زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر إلى أن أجلاهم عمر إلى أريحاء وأذرعات الشام ( رواه مسلم ) .

( وفي رواية البخاري : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطى خيبر اليهود أن يعملوها ) أي : على أن يعملوها ( ويزرعوها ) تخصيص بعد تعميم ( ولهم شطر ما يخرج منها ) أي : من التمر والزرع ، وقيل : هذا يدل على أنه لو بين حصة العمل وسكت عن حصة نفسه جاز ولو عكس ، قيل : يجوز قياسا على العكس ، قال القاضي : " لم أر أحدا من أهل العلم منع من المساقاة مطلقا غير أبي حنيفة - رحمه الله - ، والدليل على جوازها في الجملة أنه صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وشاع عنه حتى تواتر أنه ساقى أهل خيبر بنخيلها على الشطر ، كما دل عليه الحديث . وتأويله بأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما استعملهم في ذلك بدل الجزية ، وأن الشطر الذي دفع إليهم كان منحة منه - صلى الله عليه وسلم - ومعونة لهم على ما كلفهم به من العمل ، بعيد كما ترى ، أقول : التأويل لا يكون إلا بعيدا حيث يرى ، وإنما يلجأ إليه جمعا بين الأحاديث المختلفة على ما يروى ، قال : وأما المزارعة وهي أن تسلم الأرض ليزرعها ببذر المالك على أن يكون الربع بينهما مساهمة فهي عندنا جائزة تبعا للمساقاة إذا كان البياض خلال النخل ، بحيث لا يمكن أو يعسر إفرازها بالعمل كما في خيبر لهذا الحديث ، ولا يجوز إفرادها ; لما روي عن ابن عمر أنه قال : ما كنا نرى بالمزارعة بأسا حتى سمعت رافع بن خديج يقول : " إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها " ، ومنع منها مالك ، وأبو حنيفة - رحمهما الله - مطلقا ، وذهب أكثر أهل العلم من الصحابة ، كعمر ، وعلي ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وسعد بن مالك ، ومن التابعين : كابن المسيب ، والقاسم بن محمد ، ومحمد بن سيرين ، وطاوس وغيرهم ، كالزهري ، وعمر بن عبد العزيز ، وابن أبي ليلى ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن - رحمهم الله تعالى - إلى جوازها مطلقا ; لظاهر هذا الحديث ، ويؤيده القياس على المساقاة والمضاربة اه . والفتوى على قولهما قال النووي : " في الأحاديث جواز المساقاة وعليه جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء ، وتأول الأحاديث بأن خيبر فتحت عنوة فما أخذه فهو له ، واحتج الجمهور بقوله : " على أن يعتملوها من أموالهم " ، وبقوله : " أقركم ما أقركم الله عليه " وهذا صريح في أنهم لم يكونوا عبيدا ، وفي كونه صريحا نظر صحيح . قال : وقد اختلفوا في خيبر هل فتحت عنوة أو صلحا ، أو بجلاء أهلها عنها بغير قتال ، أو بعضها صلحا وبعضها عنوة وبعضها بجلاء أهلها ؟ وهذا أصح الأقوال اه فيحتاج إلى إثبات أن ذلك لبعض الذي وقع فيه المزارعة غير ما أخذوا عنوة ، ليكون حجة على أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - ، وإلا فالحديث مع وجود الاحتمال لا يصلح للاستدلال . قال : وذهب الشافعي وموافقوه إلى جواز المزارعة إذا كانت للمساقاة ، ولا تجوز إذا كانت منفردة كما جرى في خيبر . وقال مالك : " لا تجوز المزارعة منفردة ولا تبعا إلا ما كان من الأرض بين الشجر ، وذهب أبو حنيفة وزفر - رحمهما الله - إلى أن المزارعة والمساقاة فاسدتان مطلقا ، وذهب أكثرهم إلى جواز المساقاة والمزارعة مجتمعتين ومنفردتين قال : وهذا هو الظاهر المختار لحديث خيبر ، ولا يقبل دعوى كون المزارعة في خيبر إنما جاءت تبعا للمساقاة ، بل جاءت مستقلة ولأن المعنى المجوز للمساقاة موجود في المزارعة ، وقياسا على القراض ، فإنه جائز بالإجماع وهو كالمزارعة في كل شيء ; ولأن المسلمين في جميع الأمصار والأعصار مستمرون على العمل بالمزارعة ، وأما الأحاديث الثابتة في النهي عن المخابرة فأجيب عنها : بأنها محمولة على ما إذا اشترط لكل واحد قطعة معينة من الأرض ، وقد صنف ابن خزيمة كتابا في جواز المزارعة واستقصى فيه وأجاد وأجاب عن أحاديث النهي اهـ كلامهم ، والظاهر من كلام محيي السنة في شرح السنة : أنه مائل إلى جواز المزارعة مطلقا كذا ذكره الطيبي .

[ ص: 1987 ]



الخدمات العلمية